06 نوفمبر 2025

تسجيل

فن الإقناع

06 أبريل 2022

من يُرزق أسلوباً جميلاً يصل إلى مبتغاه، وأجمل من نلقاهم أو نسمع عنهم ويضعون أثراً بداخلنا ونتعاطف معهم ومع قضاياهم من يكون أسلوبهم رائعاً، وكلامهم مقنعاً، يوصلون صوتهم بكل حكمة وذكاء وإن كانت الظروف تمنعهم من إيصال صوتهم. في ما مضى كانت هناك العديد من المواقف حدثت بين المتخاصمين ومع المظلومين فكان البعض لا يتم إنصافه لعدم استطاعته الى أن يصل بقضيته الى القضاء لأن بعض الحجاب يحجبون البعض من عامة الناس، ويقدمون المقدمين والمقربين منهم والبعض الآخر يصل الى القاضي أو الوالي بحيلة ليصبح القاضي هو من يبحث عنه. قد قيل أن تاجراً في عهد المأمون تعرض له بعض قطاع الطرق وأخذوا ماله ومتاعه، فلجأ الى المأمون ليشكو إليه فمنعه حجابه ليمكث عند بابه سنة كاملة ولم يؤذن له، فلجأ إلى حيلة وصل بها إليه وهي بأنه حضر في يوم الجمعة أمام الناس وقال: يا أهل بغداد اشهدوا عليّ بما أقول: وهو أن لي ما ليس لله، وعندي ما ليس عند الله، ومعي ما لم يخلقه الله، وأحب الفتنة وأكره الحق، وأشهد بما لم أرَ، وأصلي بغير وضوء، وأنا أهرب من رحمة الله، وذبحي حلال، فلما سمعوه أنكروا عليه وحملوه الى المأمون فقال له: ما الذي بلغني عنك؟ فقال التاجر: صحيح، قال له المأمون: ماحملك على هذا؟ قال: قُطع علي الطريق وأُخذ مالي ولي ببابك سنة ومنعني حجابك، ولم يؤذن لي ففعلت ما سمعت لأراك وأُبلغّك لترد عليّ مالي، قال المأمون: لك ذلك إن فسّرت ما تقول، قال التاجر: أما قولي إن لي ما ليس لله فإن لي زوجة وولد وليس ذلك عند الله، وقولي عندي ما ليس عند الله فعندي الكذب والخديعة والله بريء من ذلك، وقولي معي ما لم يخلقه الله فأنا أحفظ القرآن الكريم وأحمله معي وهو غير مخلوق، وقولي أحب الفتنة، فإني أحب المال والولد لقوله تعالى "إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ"، وقولي أكره الحق فأنا أكره الموت وهو حق، وقولي أشهد بما لم أرَ، فأنا أشهد أنا محمداً رسول الله ولم أره، وقولي أصلي بغير وضوء، فإني أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بغير وضوء، وقولي أهرب من رحمة الله، فأنا أهرب من المطر، وقولي ذبحي حلال، فعندما أذبح يجوز أكل ذبيحتي، فاستحسن المأمون ذلك وعوضه عن ماله. العبرة من القصة بأنه أحياناً يُظلم المرء ولا يستطيع إيصال صوته ومظلمته فيلجأ الى القاضي أو الوالي فيُمنع ولا يكون لديه الى أن يبتكر حيلة تكون هي السبيل، ومن يُرزق حُسن الأسلوب ويتقن فن الإقناع قد يصل أحياناً إلى غايته، ويتم إنصافه، وأجمل من ذلك عندما يكون باب القضاء مفتوحاً ومنصفاً للجميع. @fyicl