11 نوفمبر 2025
تسجيلكيف تقرأ يا قارئي الكريم أحداث الأيام الأخيرة التي رشحت القضية السورية لتتصدر فواجع العالم رغم كثرة هذه الفواجع وتفاقم عدد المفجوعين؟ كيف تفك طلاسم ما يجري في عواصم الدنيا بعيدا عن دمشق كأنما دمشق لم تعد تقوى على جمع متحاورين ولا تنظيم حوار؟ فاللقاء الذي تم بين السيدين سرغاي لافروف وجون كيري في برلين يوم الثلاثاء الماضي خطا بالملف السوري خطوات غير متوقعة حيث أعلن النظام السوري على لسان الوزير وليد المعلم أنه لا يمانع في التفاوض...حتى مع المعارضين الحاملين للسلاح الذين لم يطلق عليهم النظام السوري لأول مرة نعت الإرهابيين! وهنا يبدو أن لقاء برلين بين وزيري العملاقين الروسي والأمريكي أثمر نوعا من المنعرج الضروري لتحريك الملف الدموي نحو انفراج مأمول. ويبقى الرقم المجهول هو اتفاق الفرقاء السياسيين المقاومين للنظام السوري على موقف موحد باتجاه هذه المفاوضات المبرمجة أميركيا وروسيا وهو بالفعل رقم مجهول إذا ما عرفنا أن 60 % من الكتائب المسلحة التي تحقق انتصارات ميدانية في سوريا تنتمي إلى جماعة النصرة وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى وهي جميعا ليست محل رضا البيت الأبيض (ولا رضا الكرملين...) بل إن تنظيم النصرة تم تصنيفه أمريكيا في قائمة الإرهاب! ومن هنا نفهم كيف تنازلت الدبلوماسية الأمريكية عن قرار تسليح المعارضة وحددت المعونات الأمريكية للمعارضة السورية بضوابط هلامية وضبابية من نوع "أسلحة ومعدات غير مميتة أو غير قاتلة!" وهو ما يبدو أنه قرار أميركي أملته ضرورات لقاء برلين بين كيري ولافروف وحرص واشنطن على عدم التفريط في ليونة موسكو التي لولاها لن يحلم المجتمع الدولي بحل عاجل لمعضلة سوريا. ولا شك لدينا في أن الجانب الروسي بدأ يشعر بأخطار استفحال الحرب الأهلية السورية وتوسع عمليات القتل باستعمال (صواريخ اسكاد الروسية الصنع) كما وقع في ريف حلب لأن صفقة شراء دمشق لصواريخ اسكاد من موسكو تنص على عدم استعمالها في الداخل ولا ضد المواطنين السوريين وهو ما يطرح قضية ذات بعد قانوني دولي (وأخلاقي) شديدة الإحراج لموسكو. أما اللقاء المهم الثاني فتم أيضا خارج دمشق وخارج العالم العربي وهو لقاء ما يسمى بأصدقاء الشعب السوري هذه المرة في روما وحضره القطبان الأمريكي والروسي ونصف القطب الفرنسي ولم يقاطعه السيد أحمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري وهو ابن الشيخ محمد أبو الفرج الحسني الإمام الشيخ المعروف حيث واصل ابنه أحمد معاذ طريقه النضالي الإسلامي الوسطي ضد الطغيان لأنه وضع شروطا معقولة لمشاركة الائتلاف منها تجاوز القوى الدولية لمجرد البيانات لتقديم مساعدات ملائمة للثورة السورية وإنشاء فضاءات أمنة للمدنيين وتعديل كفة الميزان العسكري بين الثورة والنظام قبل الحديث عن أية مفاوضات. وانتهى اللقاء في روما بإعلان الوزير جون كيري عن منح المعارضين ستين مليون دولار دون تحديد وجهات صرفها ولا الجهة المتصرفة فيها. وقد توجه الخطيب لبشار الأسد بلغة النصيحة مطالبا إياه بأخذ موقف صحيح واحد في حياته وهو التوقف عن قتل شعبه وسحل أطفاله كما توجه للمجتمع الدولي مطالبا بإنقاذ الشعب السوري من الإبادة وبنجدة ملايين المهجرين السوريين الأبرياء إلى بلدان الحدود. أما اللقاء الثالث الذي اتخذ من المعضلة السورية محورا هاما فهو الذي تمثل في القمة الفرنسية الروسية التي جمعت في موسكو بين الرئيسين بوتن وهولند وتطرق فيها الرجلان أثناء مؤتمرهما الصحافي ليوم الخميس الماضي إلى تقارب واضح في وجهات النظر بين اتحاد الجمهوريات الروسية والاتحاد الأوروبي، هذا التقارب المطلوب منذ سنتين من الدمار حيث يبدو أن موسكو وهذه المرة على لسان رئيسها القوي لم تستبعد خيار تجاوز عقبة بقاء بشار الأسد في السلطة من عدمه (و ما أدراك ما العقبة) لأن هذا الشرط المعطل لكل اتفاق ثبت أنه هو الأكثر إثارة للجدل لأنه يمس مصالح الجانب الروسي والصيني في مجال الطاقة من نفط وغاز ومصالحهما أيضا في مجال الأمن الجيوستراتيجي غير المتكافئ حاليا. والعهدة على نشرية (وورلد نيوز الأمريكية) التي كتبت في عددها الأخير تقول بأن الدبلوماسي الأمريكي المجرب وزير الخارجية جون كيري قدم برنامج اتفاق سري بين واشنطن وموسكو يقضي بالتزام الإدارة الأمريكية حماية مصالح روسيا النفطية والغازية والاستراتيجية في حال بلوغ سوريا مرحلة ما بعد الأسد. وبالطبع لا نستغرب مثل هذه الوعود من واشنطن لأننا ندرك بأن لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا روسيا قلوبهم الرحيمة على الشعب السوري وضحاياه بل إن المحرك الأول والأخير للعلاقات الدولية هو المصلحة قبل العاطفة في لعبة الأمم. وحدهم العرب ظلوا عاطفيين في عالم بلا عواطف. كل هذه الحلقات من المسلسل الدموي يظهر أنها توجت باتصال هاتفي أجراه الجمعة الماضية الرئيس أوباما مع نظيره الرئيس بوتن للاتفاق عما سمي باللغة الدبلوماسية: "ضرورة تجاوز مرحلة الحرب الراهنة إلى مرحلة أخرى.!" وهو مصطلح زئبقي من قاموس العلاقات بين الأمم ربما لم يزده جون كيري أثناء زيارته لأنقرة سوى غموض على غموض خاصة بعد أن تكفل بتوجيه لوم غليظ للسيد رجب طيب أردوغان على تنديده بالصهيونية (التي هي التعبير الأصولي المتعصب لليهودية) وهو ما يخدش في عيون العرب والمسلمين من حياد وجدية واشنطن في تعاطيها مع الشأن السوري والعربي والإسلامي عموما. وأنا بصدد إنهاء مقالي هذا بثت الأخبار بأن الجيش العراقي قصف طلائع من الجيش السوري الحر فقلت يا رب سترك وعفوك حتى لا تنتشر النار في الهشيم! إن المعضلة السورية تنتظر معجزة الحل العادل فليبدأ العرب قبل سواهم بالتوافق حول خطة واحدة لحقن الدم السوري ويومها يمكن المطالبة بتوافق دولي!