10 نوفمبر 2025

تسجيل

الابتلاء والصبر

06 فبراير 2011

دائما ما يقرن رب العالمين جل وعلا الصبر بالابتلاء أيا كان نوعه دنيويا أو دينيا ودائما ما يبشر الذين صبروا بجزاء عظيم في الدنيا أو الآخرة يقول الله تبارك وتعالى { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وأعظم المصائب هو أن تبتلى في دينك لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء كان يدعو به: "ولا تجعل مصيبتنا في ديننا" وما عدا ذلك أرى أن المصيبة الكبيرة بعد مصيبتك في دينك ليس بفقد مال أو ولد وإنما بفقد وطن على يد حاكم سواء كان بعلمه وبإرادته وتدبيره أو بدون علمه ومن حاشيته وبطانته والمحيطين به. وما يحدث على أرض الكنانة من أحداث جعلني ومعي العالم أجمع نتابع ونلهث أمام الشاشات نتابع ونرقب ما ستنتهي عليه تلك الأزمة وما ستؤدى إليه تلك الثورة وجعلتني تلك الأحداث الفارقة في تاريخ مصر والعالم العربي والاسلامى ككل أن ابحث عن فقه الوقوف في وجه الحاكم الظالم. حيث يؤكد العلماء انه ليس هناك تعارض بين الأحاديث التي تمنع الخروج على الحكام وتأمر بالصبر، والتي تأمر بالخروج عليهم، فالأولى موجهة للحكام الذين يرفعون راية الإسلام، ولا يفرطون في ثوابت الأمة، لكنهم يستأثرون بشيء من الدنيا، والثانية التي تأمر بالخروج إنما تتوجه إلى الذين أعلنوا كفرهم، وجاهروا بالخروج على الإسلام وباعوا مصالح شعوبهم لأعدائهم. وفي كل الحالات لا يجوز أن يترك الحاكم الظالم بل لابد من النصح له وتوجيهه ومحاولة العودة به لما يرضي الله تعالى. ولكننا مع ذلك نخشى الفتنة وندعو إلى الاستقرار ما استطعنا إليه سبيلا من اجل السواد الأعظم من الناس. وقد قيل قديما: ملك ظلوم خير من فتنة تدوم، وأما الأحاديث التي تأمر بالخروج على الحكام وخلع بيعتهم فالمراد بها الحكام الذين أعلنوا الكفر وجاهروا بالخروج من الإسلام فكفرهم بواح لا يحتمل تأويلا ولا يقبل تسويغا، فهؤلاء يجب الخروج عليهم وخلع طاعتهم لمن قدر على ذلك، وهذا أمر متروك لإجماع الأمة ورأى شعبه فيه. كذلك فان أمر الخروج على الحاكم الظالم أمر تحكمه الموازنات الشرعية الدقيقة، فإن فقهاءنا من العصور المتقدمة بيَّنوا أن ذلك مرتبط بغلبة الظن بإمكانية عزل ذلك الحاكم، وألا يترتب على ذلك فتنة أو مفسدة أعظم، والقاعدة الشرعية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وكذلك القاعدة الشرعية: يختار أهون الشرين، فإذا روعيت هذه المحاذير فيجب بعد ذلك السعي في عزل الحاكم الظالم أو العميل، وكل بما يستطيع، وإلا فالصبر مع محاولة تقليل آثار الظلم والمنكر. وأخيرا: اننى مع ثورة شباب مصر قلبا وقالبا لما لمصر في قلبي وقلب كل عربي مسلم، ولكنى أيضا مع شعب مصر الطيب المسالم الذي تضرر أشد الضرر من تلك الأحداث التي ضيعت أمنه وهدوءه وضيعت رزقه وقوت يومه، لذا أتمنى أن يحتكم الجميع إلى صوت العقل والحكمة وان يضعوا مصالحهم الشخصية إلى حين ويقدموا مصلحة وطنهم وأن يخشوا يوما يلقون فيه رب العالمين الذي سيحاسبهم حسابا عسيرا على الدماء الزكية الطاهرة التي أريقت فقط لأنهم طالبوا بحقهم المشروع في حياة كريمة وحرة وسلامتكم. [email protected]