08 نوفمبر 2025

تسجيل

مرة أخيرة (الطبقة الوسطى)

05 أكتوبر 2022

لم يظهر على مر تاريخ الدولة فى قطر أي تأثيرات اجتماعية أو ثقافية أو حتى دينية في تشكيل طبقة وسطى فى المجتمع القطرى "على اعتبار ان الطبقه الوسطى تحمل مشروعا أو رؤية لا تعتمد العنف أساسا للوصول إليه أو إلى تحقيقها" وتم جوازا فقط اطلاق هذا المسمى بعد زيادة دخل الدولة من النفط فى بداية السبعينيات الذى انعكس ايجابا من خلال سياسة التوزيع على تحسين الأحوال المعيشية لأهل قطر، لذلك فالطبقة الوسطى فى قطر هى وليدة الطفرة الاقتصادية فقط ولا تحمل أيا من أساسيات بناء الطبقة الفكرية أو الأيديولوجية أو حتى الذاتية الاقتصادية. لذلك كانت استجابة المجتمع القطرى للأحداث الاقليمية والعربية خلال العقود الماضية فى أدناها مقارنة بمناطق اخرى فى الخليج كالبحرين والكويت. أيضاً عدم بروز برجوازية بل برجوازية دولة ناهيك عن كونها وطنية، لذلك كان تأثير الايديولوجيا القائمة ساعتئذ فى المجتمع المحافظ مجرد ردود أفعال نظرا لغياب دور مثل هذه الطبقة التى لو وجدت بشكل مستقل وذاتى فى حينه لاستفاد من وجودها المجتمع اليوم ولأمكنه تخطي نقطة الصفر الى مراتب متقدمة واستعداد أولي. كان التأثير القومي عاطفيا فقط وليس تنظيميا وكذلك لم تجد التيارات الاخرى متسعا من القبول لعدم وجود وعي الطبقة الوسطى المحايد، الذى يتقبل أو لديه القدرة على الحوار مع الآخر. وسمعنا عن تيار إسلامي موخراً عمل على حل نفسه ذاتياً مع عدم وجود تفاصيل واضحة ولا يدل أرشيف المجتمع القطري السمعي ولا المكتوب عن أي أثر واضح. طبيعة الوعي الديني والاجتماعى لأهل قطر السكونية الوسطية تجعل من المجتمع وسطيا وليس مجتمع طبقة وسطى تحمل فكرا وقناعات قد تختلف طبقا لهذه القناعات وقد تناضل من اجل تحقيقها وسيادتها والأمر كذلك ينطبق على امكانية قيام طبقة عمالية "بروليتاريا" . فقط شكل "رجال الدين" وكبار القبائل طبقة وسطى فى المجتمع القطرى نظرا لأهمية الدين والقبيلة لكنها طبقة ليست ثابتة نظرا لانعكاسات علاقتها بالحكام ولكن مسالمة وملتحقة بهم لارتباط وجودها بهم ولطبيعة المجتمع الدينية السنية كذلك لم يستقل رجال الدين برأي مخالف وكل ما قدمته هذه الطبقة مجرد النصيحة الخجولة والسرية كذلك.. لم تشرع الدولة فى سياسات تصنيع تعمل على تغير ثقافى واضح لعدم توفر امكانية ذلك وكل الصناعة لا تتعدى كونها تركيزا لمفهوم الريع وايراداته وثقافته. اليوم المجتمع يمر بتحولات كبيرة فى جميع المجالات ويبدو واضحا غياب دور هذه الطبقه حتى أضحى التجانس الذى يفتخر به المجتمع القطرى مثلبة أكثر منه ميزة لا يتحرك الا بوكز من الدولة ولا يستجيب الا بنداء يصم الآذان. اذا كان قيام الطبقة الوسطى هو تعبير عن تفاعل بين تطلعات السواد الاعظم من الشعب، فإن ذلك لم يتم فى قطر ولم يتحقق تاريخيا، فالدولة قامت بشكل كلي ولم تحمل فى أحشائها اية صراعات، ولكن الدولة فى صيرورتها وتحركها الى الامام تحتاج الى حرق مراحل ووقود ذاتى لا يحققه سوى وجود طبقة وسطى. عندما تتحول الميزة النموذجية الى نقيصة يكون التاريخ قد حقق سخريته فلا بد من ان يعيد ذاته. قطر اليوم دولة نموذجية ولكن قصة نجاحها ونموذجيتها انها كسرت قاعدة التطور الانسانى القائم على التفاعل، انها دولة تتلاشى في أحشائها بذور الطبقة الوسطى، فلذلك يفتقد المجتمع التفاعل الحقيقي البناء، علينا أن ندرك أن أي مشروع لا يحمل في طياته بعدا أخلاقيا قيميا هو مشروع ضد امكانية قيام طبقة وسطى لانها هي من يحمي القيم والاخلاق في المجتمع، مشاريعنا كثيرة وعديدة حيث الريع له خيالاته ولكن من الاهمية بمكان الادراك بأن فناء هذه الطبقة أو غيابها سينعكس على الطبقات الاخرى. وسيحول الوسطية إلى مذهبية وعصبية حادة ايديولوجياً وإلى فقر وغنى فاحش لا يلتقيان إلا بقضاء أحدهما على الآخر.