10 نوفمبر 2025
تسجيل"تغير المناخ هو أزمة هذا العصر، ويتأثر به الأشخاص الأكثر ضعفًا حول العالم أكثر من غيرهم. إذ ينال اللاجئون والفارون من الصراع والاضطهاد النصيب الأكبر من تبعات تغير المناخ بشكل غير مُتناسب وظالم". قد تتصور للوهلة الأولى أن اللاجئين هم أفراد وعائلات يتطلعون إلى الحصول على الأمان بعيدًا عن الصراعات والحروب، وبالفعل يفِّر الناس يوميًا من الاضطهاد والصراع والعنف بحثًا عن مكان آمن، ويمثل هؤلاء جزءًا ممن تُعنى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحمايتهم. لكن هناك أيضًا من تدمرت منازلهم بسبب الفيضانات، أو من يضطرون لإخلاء قُراهم قبل أن تجتاحها النيران. ولا يزال آخرون مجبرين على مغادرة أراضيهم عندما تموت محاصيلهم بسبب فترات الجفاف الطويلة، أو عندما يؤدي نقص الغذاء أو الماء إلى إشعال شرارة التنافس للحصول عليهما. وفي ظل مناخ سريع التغيّر، يزداد شيوع مخاطر مثل هذه الحالات، كما أن الآثار الناتجة عنها تكون أسوأ بكثير. في عام 2020، كان هناك أكثر من 30 مليون حالة نزوح جديدة بسبب الكوارث البيئية وحدها - وهو الرقم الأعلى خلال العشر سنوات الماضية. وعلاوة على ذلك، يؤدي تغير المناخ أيضًا إلى تفاقم دوافع النزوح الأخرى - مثل تفاقم الفقر وانعدام الأمن الغذائي ونقص المياه وصعوبة الوصول إلى الموارد الطبيعية الأخرى التي تعتمد عليها المجتمعات من أجل البقاء. على سبيل المثال، فإن منطقة الساحل، التي تقع في قلب واحدة من أسرع أزمات النزوح تفاقمًا في العالم بوجود ما يقرب من 1.6 مليون نازح داخلي، و365,000 لاجئ فرّوا من العنف، تتأثر بتغير المناخ تأثرًا مُجحف وغير متناسب. وفي النيجر، والتشاد، ومالي، والعديد من البلدان الأخرى، تنحسر مواسم الأمطار أكثر فأكثر، مما يؤدي إلى تفاقم التهديدات التي يتعرض لها من يعيش أصلًا في حالة من الصراع وانعدام الأمن. كما يزداد استغلال المتطرفين الباحثين عن موطئ قدم في المنطقة للنزاعات بين المزارعين والرعاة على الأراضي والمياه. وغالبًا ما تكون القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات المناخية والنزوح في أدنى مستوياتها في المجتمعات الهشة الضعيفة المتأثرة بالصراع والتي لا تكفي الخدمات الأساسية والبنية التحتية والحوكمة فيها لدعم السكان. ففي صيف عام 2020، فقد ما يقدر بنحو 300,000 شخص في اليمن منازلهم بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات الجارفة. وكانت الصراعات قد أدت إلى نزوح بعضهم مسبقًا، وأصبحوا الآن نازحين للمرة الثانية. بينما يتزايد تعقيد العوامل المسببة للنزوح، يمكننا ملاحظة وجود ارتباط عام بين قابلية التأثر بتغير المناخ والنزوح. ورغم أن 20% فقط من سكان العالم هم من يعيشون في بلدان قابلة للتأثر بتغير المناخ، فإن ما يقرب من 90% من اللاجئين يأتون من دول مثل أفغانستان وميانمار وجنوب السودان وسوريا. في الوقت ذاته، يواجه العديد من النازحين خطر حالات الطوارئ المناخية بشكل مباشر. إذ يعيش 40% من اللاجئين و70% من النازحين داخليًا أو يُستضافون في بلد شديد التأثر بتغير المناخ. ففي بنغلاديش، يزداد تعرض أكثر من 870,000 لاجئ من الروهينغا الآن إلى الأعاصير الشديدة والمتكررة، حيث يمكن للفيضانات والانهيارات الأرضية اللاحقة أن تدمر الملاجئ وتؤدي إلى موجة نزوح أخرى. مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في العالم، ومع تزايد المخاطر المرتبطة بها بشكل كبير، تعمل المفوضية على تكثيف التزامها لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية المتوقع حدوثها بسبب حالات الطوارئ المناخية. وتهدف المفوضية إلى توفير حماية أفضل وتمكين النازحين لمواجهة التغير المناخي. وقد وضعنا إطارًا استراتيجيًا بشأن العمل المناخي لتكثيف جهودنا وتمكين الأشخاص النازحين بسبب تغير المناخ والكوارث من الحصول على الحماية. تستهدف عملياتنا تعزيز قدرة النازحين على الصمود في مواجهة المخاطر المرتبطة بالمناخ وتعزيز الاستعداد للكوارث، كما نسعى أيضًا إلى تقديم استجابة إنسانية دون الإضرار بالبيئة، فحماية البيئة الطبيعية والحفاظ عليها هي إحدى أفضل الطرق لحماية من يعيشون فيها. ويشمل ذلك دعم مشاريع الطاقة المتجددة في أماكن النزوح، مثل إنشاء محطة طاقة شمسية تُعتبر الأكبر على الإطلاق في مخيمات اللاجئين، في مخيم الزعتري في الأردن. كما أطلقنا تحدي الطاقة النظيفة لحث الشركات والحكومات والمنظمات على توفير طاقة صديقة للبيئة وآمنة للسكان النازحين. تزداد جبهة المعرضين لمخاطر تغير المناخ زيادة واسعة وعميقة، ولن يكون أي بلد أو مجتمع مُحصنًا ضدها. ومع ذلك، فإن أولئك الذين ساهموا بشكل ضئيل في خلق هذه المشكلة سوف يتأثرون بها بشكل كبير ومُجحف. وهذا ينطبق بشكل خاص على النازحين. ويشير التقرير الذي صدر مؤخرًا عن علماء الهيئة الدولية الحكومية المعنية بتغير المناخ إلى أن متوسط درجة الحرارة العالمية سيرتفع بحدود 1.5 درجة مئوية خلال العشرين سنة القادمة، ومع استمرار الوضع الحالي، قد يصل الارتفاع إلى 2.0 درجة مئوية بحلول عام 2060. إذ نسمع كل أسبوع عن الظروف الجوية المتطرفة غير المسبوقة ودرجات الحرارة التي تحطم الأرقام القياسية، وكل ذلك مع زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية فقط. هناك العديد من التوقعات حول عدد الأشخاص الذين سيضطرون إلى الانتقال من مكان إقامتهم بسبب تغير المناخ، لكن الحقيقة هي أن هذا الرقم يعتمد على مدى سرعة تصرفنا الآن. ويعتمد ذلك على سرعة تقليل انبعاثات غازات الدفيئة (الاحتباس الحراري)، لأن ذلك ما سيحدد مدى خطورة عالمنا في المستقبل. كما يعتمد على مدى دعمنا للبلدان والمجتمعات المعرضة لمخاطر تغير المناخ بإعدادهم وبناء قدرتهم على مواجهة التهديدات التي يشكلها تغير المناخ على سلامة الناس وسبل كسب عيشهم وكرامتهم. وأود أن أتوجه بالشكر لدولة قطر حكومة وشعبا على الاهتمام والجهود الذي تبذله من أجل أزمة المناخ العالمية وريادتها في المجال البيئي من أجل إيجاد حلول للأزمة التي نشهد بدايتها اليوم والتي ستؤثر بشكل كبير على شبابنا وأطفالنا في المستقبل. نحن نبحث طرق تعاون مشترك بيننا وبين المسؤولين من أجل إيجاد حلول دائمة وسريعة لهذه الأزمة ومن أجل اللاجئين والنازحين الأكثر ضعفا حول العالم. إن شراكتنا مع دولة قطر لا تقتصر فقط على الاستمرار في دعم توفير الحماية للفئات الأكثر ضعفاً بل إلى السعي أيضًا لمواجهة التحديات الأكبر لتغير المناخ ونقل استهلاكهم للطاقة إلى مصادر متجددة، ويسعدنا أن نكون جزءا من هذه الشراكة. وكلما تأخرنا في اتخاذ الإجراءات اللازمة، كانت عواقب تغير المناخ وخيمة وبعيدة المدى وقاتلة. وأعلى ثمن سندفعه نتيجة تغير المناخ سيكون في حال وقوفنا مكتوفي الأيدي أمامه. لذا، علينا أن نتصرف الآن. المستشار الخاص للعمل المناخي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين