06 نوفمبر 2025
تسجيلمثلما قال السياب عن مدينته التي لا تصلب الإنسان في فكرة، كان أصدقاء لي يسمونها البركان الوردي، لأنها قدمت إلى سوريّا أسماء مرموقة في الرياضة والفنّ، المدينة النائمة تحت سلسلة جبال طوروس، وبين الجبل والسهل ثمّ حكايات السريان والكرد والأشوريين والأرمن وقبائل عربية كثيرة لا تزال إلى الآن تقيم في الريف المخاصر للشمال السوري. بُنيت القامشلي عام 1926 على حساب "نصيبين" في مسعى فرنسي للضغط على الأتراك، فأمرت ببنائها وشجعت السريان الهاربين من مجازر "سيفو" والأرمن الناجين من مجازر 1915، إضافة إلى الكرد بعد انتفاضة آغري، والقبائل العربية المقيمة، وبعض اليهود الموجودين في المنطقة، فكانت القامشلي.كان فريق الجهاد من أهم الأيقونات التي تجمع المدينة، بشعاره المعبّر "سفير الشمال" ولاعبيه المنتمين إلى معظم شرائح المجتمع المحلّي، والذين يعكس تعاونهم في الملعب، عن تعاون الناس.وفي تبعات حراك الربيع العربي دفع السوريون أثمانًا مضاعفة، وإن لم تشهد القامشلي معارك ساخنة خلا التفجير الأخير، إلاّ أن أبناءها كانوا من أوائل من عرف طريق الهجرة، وبكثافة، وكان أهلها عرفوا هجرة الثمانينيات التي طالت جانبًا من الأشوريين والسريان، وامتد قوس النزوح المديد من العراق حتى السويد.في القامشلي أحبّ شارع المكتبات (شارع الوحدة) وسوق الخضار الشمالي (العَرَصة) ثمة بهجة اللون، وألفة الرائحة، وأمان المشهد يمنحه الجمهور الكثيف، المختلف بين خطّين متوازيين، بينهما نحو 100م، ولهذا اندغمت ثقافة التسوق في المدينة، فثمة زبائن يتبضّعون جرائد الساعة الثانية ظهرًا ويقلبونها بسرعة، وجمهور آخر يتصفّح آخر عدد من الخيار والبقدونس فوق البسطات الجوّالة. *أخمن أني اتكأت على الحزن شيئا / ونامت على كتفيّ طيور الحباري / سأمهل قلبي إذًا ليقول المدينة / يكمل عدّ شوارعها / والبيوت تفرّ إلى دفتري / والحمامَ إلى شجري / والصعاليكَ نحو براري سكوني / الصبابات ملئي / تجمعن.. حين ألفت الخناجر تلمع / والعاديات النؤومة / تعدو بجثتنا / وتنام / أفلّـي صباباتها في الربيع / أعدّ أصابعها شارعًا شارعًا / فأقول اسبقيني إلي / ولا تقلقي إن تراخى هديل الحمام على كفّ قناصة / يذبحون المعاني التي كم شقينا بها / وظلت دفاتر آبائنا التي لا تشيخ.. ترقـشها في الحكاية / لا تقلقي إن تأخـر موت المغني / المغنون فينا.. يموتون.. إن تركتنا المعاني / ولاذت بقناصة يعبرون حكاياتنا / مثل صيفٍ بطيء.