07 نوفمبر 2025
تسجيلقال صاحبي: إن العدل في المنظور الإسلامي هو خلق جامع شامل، يتكامل مع طائفة القيم والمبادئ الإسلامية الأخرى، وترتكز عليه جميع شؤون العباد في معاشهم ومعادهم، ويؤسس لمجتمع تسوده قيم الإنصاف والرحمة والإخاء وصيانة الحقوق الخاصة والعامة. إني أنا العدل لولا حكمي لفاض الشقاء وساد كل ظلوم وذلت الأبرياء ومجالات العدل متعددة، لكن أهمها: العدل السياسي: الذي تساس به الرعية، وتحفظ حقوقها، وترعى كرامتها، قال تعالى: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) "المائدة: 42". وقد تواترت الأحاديث النبوية في تقرير هذا المنهج، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل... الحديث، أخرجه البخاري في كتاب الأذان رقم 660. وحديث عياض المجاشعي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق.." الحديث.. أخرجه في كتاب الجنة ... رقم 26/7. فالعدل مقوم أساسي من مقومات الدولة المسلمة، وهو سبيل الأمن والاستقرار السياسي، كما أن الظلم والجور من أعظم العوامل التي تمزق الوحدة السياسية في المجتمعات، وتثير فيها القلق والخوف وتزرع الشقاق والجفوة بين الراعي والرعية. إن الظلم السياسي من أشد الادواء تحطيما لشخصية المجتمع، فالمجتمع المهان يصبح غير قادر على العطاء أو الإبداع، ومن ثم تتوقف عجلة نموه وتطوره ويتباطأ تقدمه. قال الماوردي في سياق ذكره للقواعد التي بها حال الدنيا" قاعدة العدل الشامل الذي يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال ويكثر به النسل ويأمن به السلطان...". وذكر ابن تيمية قاعدة استقرائية عظيمة قال فيها: "إن العدل نظام كل شيء، فإذا أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، وإن لم تقم بعد لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة". هل يصلح الملك إلا إذا وضعت أساسه؟ ومن كمال ديننا أن العدل واجب على المسلمين مع كل أحد، حتى مع العدو الكافر، امتثالاً لقوله عز وجل: (لايجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)، "المائدة: 8". وفي هذا الباب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا من ظلم معاهداً أو انتقصه، أو كلفه فوق ما يطيق.. فأنا حجيجه يوم القيامة" الماوردي أدب الدنيا والدين ص 241. فالليث بين الضواري والظبى عندي (العدل) سواء وغياب العدل وانتشار الظلم والجور علامة من علامات سقوط الدول وهلاكها قال تعالى: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا)، "الكهف: 59". لولاي (العدل) ما عز ملك ولا استقامت سياسة هل يصلح الملك إلا إذا وضعت أساسه؟ ومن فقه عمر بن عبدالعزيز، أن بعض عماله كتب إليه: أما بعد فإن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرمَّها به فرد عليه بقوله: "أما بعد فحصنها بالعدل ونقِّ طرقها من الظلم، فإنه مرمّتها". ونحو ذلك أن الجراح عبدالله كتب إلى عمر بن عبدالعزيز: أن أهالي خراسان قوم ساءت رعيتهم، وإنهم لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي ذلك، فكتب إليه عمر: "أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أهل خراسان ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم والسلام". إن بسط العدل وإقامة الحق هما السبيل إلى الأمن والاستقرار السياسي، أما القمع والاستبداد، فلن يصلحا الناس، بل سيزيدانهم فسادا. الناس شرقا وغربا لا يجهلون مكاني (العدل) عهد المظالم يفنى والعدل ليس بفان هذا وبالله التوفيق،،