12 نوفمبر 2025

تسجيل

تكلم المتفرجون.. فسقط القناع

05 سبتمبر 2012

صوروا لي أن قاتل أخي أصبح صديقي، وأن طريقه أصبح طريقي، وأن هذا القاتل قد تاب، ولم يبق إلا أن أضمه إلى زمرة الأحباب، ثم انطلقوا بعد ذلك إلى أهلي ساعين بالوقيعة، متسترين بأقنعة الخديعة، ثم مضوا يطلقون التهم ذات اليمين وذات اليسار، وأخذوا "يتحفظون" على البشر الذين يفكرون ويسهمون بأفكارهم في رفعة شأن الوطن، والارتقاء به، وإبعاد مسيرته عن العثرات.. هؤلاء الذين أخذوا "يتحفظون" هم أنفسهم الذين تباكوا على الحريات التي زعموا أنها كانت مهدرة، وأعلنوا أن الصوت الواحد يخلق حوله ألف حاقد وحاقد، ولهذا لابد أن تكون هناك جوقة متآلفة متحابة تتجاوب أصواتها في كل الأرجاء دون أن نحجر على صوت منها لحساب غيره. هؤلاء هم الممثلون.. ومن مزايا الممثل أنه يستطيع أن يلعب أدوارا متعددة، فقد يكون كارها للبشر في أعماقه، لكنه يمتلك القدرة على أن يلعب دور العاشق الرقيق الذي يخفق قلبه مع الموسيقى التي ترددها خطوات محبوبته.. وهناك نوعان من الممثلين، أولهما: الممثلون الذين يلعبون أدوارهم على خشبة المسرح ثم ينسون هذه الأدوار ليعيشوا حياتهم العادية التي ألفوها. أما النوع الثاني: فيتمثل في أولئك الممثلين الفاشلين، الذين لم يفلحوا – مطلقا – في أن يعتلوا خشبة المسرح، فظلوا يتحينون الفرص لكي يمثلوا، وقد لاحت الفرصة لبعضهم عندما أصبحوا من أصحاب الأمر والنهي.. وهكذا بدأت التمثيلية الهزلية السوداء، التي انطلت على كثيرين من ذوي النيات الطيبة، وبدأ الممثلون يعتلون كل ما يمكن أن يعتلوه.. فمرة يرتدون ثيابا مزركشة كأنهم بهلوانات، ومرة أخرى يرتدون أحذية نجوم السينما بهوليود.. وتتعدد المرات، وتتغير الأزياء.. ويبقى الممثلون تاركين لنا آمر أن نطلق ضحكاتنا المستسلمة السوداء، حتى إذا ما مللنا من ضحكاتنا وسئمنا من العرض الهزلي المتكرر، وضاقت أرواحنا بمرأى وجوه ممثلينا.. فبدأنا نتكلم.. قائلين لهم:كفاكم تمثيلا يا سادة فنحن من أعماقنا ننزف ونتألم.. بدأوا هم بدورهم ينزعون عن وجوههم القبيحة أقنعة التمثيل، وكأنهم يؤكدون أن "الطبع يغلب التطبع" وأن "من فات قديمه تاه"!! سقط القناع..  بعد أن تكلم المتفرجون الذين كانوا يكتفون بإطلاق الضحكات المستسلمة السوداء.. وعندما تكلم المتفرجون، لم يطق الممثلون الفاشلون أن يسمعوا، فلقد تعودوا دائما على ألا يتكلم غيرهم.. وهكذا صادروا حرية العصافير والطيور الجميلة المغنية التي كانت تجعل للحياة معنى. والآن .. أرجوكم ألا تندهشوا إذا عرفتم أني لم أكتب هذا الذي كتبته منذ يوم أو يومين، وإنما كتبته منذ إحدى وثلاثين سنة بالضبط، بعد قيام رئيس مصر آنذاك أنور السادات بحملة اعتقالات واسعة لكل رموز مصر الذين كانوا يعارضون اتفاقية كامب ديفيد، ابتداء من يوم 3 سبتمبر سنة 1980 ولو أننا تذكرنا بعض الذين تم اعتقالهم، فإننا سنجد أن اثنين منهم قد رشحا نفسيهما لانتخابات الرئاسة فيما بعد، وهما حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، كما سنتذكر بكل تأكيد محمد حسنين هيكل الذي أصدر بعد خروجه من المعتقل كتابه الشهير خريف العضب، فضلا عن علماء دين بارزين من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وبينما كان هؤلاء في المعتقلات مع ألوف من المفكرين والكتاب والشعراء، حل يوم 6 أكتوبر سنة 1980 ليشهد العالم كله عملية اغتيال الرجل الذي أمر باعتقال هؤلاء جميعا! ها هي إحدى وثلاثون سنة تمر على كل من الاعتقال والاغتيال، وها أنذا أتذكر الآن ما قاله أمل دنقل: لا تحلموا بعالم سعيد – فخلف كل قيصر يموت.. قيصر جديد!