17 نوفمبر 2025
تسجيليذكر التاريخ الإشاعة بالسوء فيبين آثارها المدمرة، فسقراط دفع حياته ثمنا لإشاعة كاذبة، حيث اتهم بإفساد الشباب وحضهم على الثورة، وفي مصر القديمة استخدم تحتمس الثالث الخدعة في حروبه عند فتح يافا. ووظف أباطرة الرومان ما يسمى بحراس الإشاعات حيث ينتشرون في المجتمع ليسمعوا الشائعات وينقلونها للإمبراطور ثم يقومون بحملة مضادة لهذه الشائعات، وهذا يعد من بواكير الدور الذي تقوم به السلطة في حماية المجتمع من الشائعات.وفي الجانب التاريخي أيضا نذكر اعتماد شارل مارتل في موقعة بلاط الشهداء سنة 114هـ على الإشاعة لهزيمة المسلمين بالأندلس بقيادة عبد الرحمن الغافقي، حيث أعياه الانتصار على المسلمين يومين متتاليين، وكان المسلمون معهم غنائم عظيمة وكادوا ينتصرون ولكنه أشاع بينهم أن الفرنجة يهاجمون من الخلف ويأخذون الغنائم فتركوا القتال ليحرسوا الغنائم وانهزم المسلمون وتركوا خيرات وغنائم وفوتوا فرصة عظيمة لفتح أوروبا، وهذه نقطة فاصلة في تاريخ العلاقات الدولية كما يقول الدكتور الصلابي في كتابه الذي يتحدث عن الدولة الأموية حيث يقول: " كانت الظروف الدولية قد تغيرت لغير صالح المسلمين، فلما حاول هذا القائد إحياء مشروع موسى بن نصير هزم هزيمة ضخمة تدخل في تاريخ العلاقات الدولية بوصفها نقطة تحول وهي معركة بلاط الشهداء، وقد تكرست الآثار السلبية لعدم استكمال موسى بن نصير لمشروعه بفشل حصار المسلمين للقسطنطينية بعد ذلك بسنوات قليلة وهو ما أغلق أوربا أمام المسلمين من الشرق بعد أن كانت قد أُغلقت أمامهم من الغرب، ولقد فشل المحللون في تفسير سبب استدعاء الخليفة الوليد لموسى بن نصير، فبعضهم قائل إنه أشفق على المسلمين من مخاطر هذا المشروع البحري، وبعضهم الآخر يؤكد أن الخليفة إنما خاف على سلطانه من تصاعد نفوذ وقوة موسى بن نصير وسواء صحت هذه التفسيرات أو أخطأت، فإن ما حدث بالفعل بعد استدعاء موسى بن نصير إلى دمشق، هو تقويض هدف مصيري للأمة أضاعت فيه فرصة ثمينة في فتح أوربا وجعلها تحت نفوذ الدولة الإسلامية".واستفاد من هذا الدرس أبو يوسف يعقوب المريني الذي كان يقاتل الإسبان وانتصر عليهم سنة 674 هـ ويرجع السبب في ذلك إلى عوامل أهمها: إبعاده للغنائم عن ساحة المعركة حتى لاينشغل بها المجاهدون وحتى يتفرغوا لمجاهدة عدوهم وبذلك تحاشى الخطأ الذي وقع فيه المسلمون في معركة بلاط الشهداء وهذا يدل على نظر عميق في التاريخ واستخراج الدروس والعبر من صفحاته الماضية.ونعود إلى الكذب في الحرب فنذكر أن جنكيز خان استطاع أن يهزم جنوده بالإشاعة، حيث كان يضخِّم من عدد قواته وجبروته وفتكه بالخصم، فيؤدي ذلك لهزيمة نفسية.وزعم نابليون من خلال منشورات له أنه جاء لتأديب المماليك، وادعى في هذه المنشورات تأييده للإسلام، لينتصر في معركته فكانت الإشاعة من أهم وسائله لهزيمة الممالك.وفي الحرب العالمية الثانية أنشأت بريطانيا "قسما للدعاية ضد العدو برئاسة اللورد نور ثكليف، كما أمر الرئيس الأمريكي ولسون بإنشاء مكتب للاستعلامات تحت رئاسة جورج سريل، على أساس الخبرة المستخلصة من الإعلان التجاري، وقد بلغ ما أسقط على ألمانيا من منشورات بواسطة المنطاد 5.360.000 منشور.أما العصر الحديث فإن الشائعات اتخذت منحى أكثر سرعة وأسرع انتشارا بسبب تتطور وسائل الاتصال، فلئن كانت الشفوية وسيلة نقل الشائعات في الماضي فلقد باتت الشفوية مصحوبة بأدوات تقنية تحاول أن تقنع الناس بالشائعة من خلال إيجاد وسائل بصرية وسمعية ووثائق؛ كي يقتنع بها المتلقي، وإزاء هذا التطور اختلفت ماهية الإشاعة ومرسلها ومستقبلها، ووسائل انتقالها، كما كانت هناك محاولات لحماية المجتمع من خطر هذه الشائعات