13 نوفمبر 2025
تسجيلربما لا يعبر تعريف (الصحفي المجتهد) عما يكتنزه هذا المسمى من معان شتى، تبدأ بالحرص على مواصلة تطوير الذات، ولا تنتهي بتحقيق (الخبطات) الصحفية المتميزة، لأن أفق الاجتهاد يظل مفتوحا أمام الصحفي المجتهد إلى ما لا نهاية له، من جودة الأداء والمبادرة والتميز والتفوق فيه، لذلك يمكن القول إن الصحفي المجتهد يكاد يكون عملة نادرة بين حشود الصحفيين الذين يملأون ساحة الصحافة، بعد أن وجدوا في هذه المهنة ما يتناسب مع ميولهم أو يشبع رغباتهم أو يلبي حاجتهم للوظيفة، خاصة بعد أن تيسرت سبل المعرفة والاتصالات، فلم تعد الصحافة مهنة البحث عن المتاعب إلا لدى قلة من الصحفيين منهم (الصحفي المجتهد) الذي لا يكاد يستقر له قرار في بحثه الدائم عن الجديد، ومتابعته المستمرة للأحداث، لينفرد بالمادة الصحفية التي قد يصعب على غيره الوصول إليها، فهو رفيق الترحال الذي يستهين بالمتاعب، ليقدم لقارئه ما هو جديد ومفيد، وهو في ترحاله كذلك الذي عناه ابن زريق البغدادي في قصيدته المشهورة التي مطلعها: لا تَعذَليه فَإِن العذل يولعه قَد قَلت حقا ولَكن ليس يسمعه وذلك عندما قال: يكفيه من لَوعة التَشتيت أَن له من النوى كل يوم ما يروعه ما آب من سفر إِلا وأزعجه رأي إِلى سفر بالعزم يزمعه كَأنما هو في حل ومرتحل موكل بِفضاء الله يذرعه وبينما يعكف بعص الصحفيين على تدبيج كتاباتهم من وراء مكاتبهم، نرى (الصحفي المجتهد) لا يكاد يلتقط انفاسه وهو في عمله الميداني.. في الأجواء المتقلبة، والأحداث الساخنة، والظروف الصعبة، بعيدا عن ترف المكاتب المخملية وراحة الأجواء المكيفة، وإغراءات بيع الذمم، فهو الذي نذر نفسه لمهنته، وأخلص لها، متسلحا بعزيمة صادقة، ومرجعية ثرية من التحصيل العلمي والتأهيل المهني، والتجارب التي لا تخذل صاحبها، بعد أن تتراكم لديه الخبرات، وتتسع أمامه دائرة المصادر التي يطمئن إلى مصداقتها، وليس شرطا أن يكون الصحفي الناجح من خريجي كليات أو أقسام الصحافة، بل ان أشهر الصحفيين في العالم لم يكن تأهيلهم الأكاديمي صحفيا، بل وبعضهم لم يتأهل أكاديميا، ولكنه تأهل مهنيا، والاجتهاد هو الذي أوصله إلى النجاح، وأهله للشهرة، لتنفتح أمامه أبواب الانجازات الصحفية المتميزة، والمؤثرة على المجتمع والوطن والخارج. والذين ينظرون للصحافة على أنها وسيلة للترف والشهرة، أو مصدر للثراء السريع، أو وجاهة و(فشخرة) هم أبعد الصحفيين عن النجاح المهني، بينما الصحفي المجتهد هو الأقرب إلى النجاح، على ألا ينسى أنه يعمل ضمن مجموعة كبيرة يعتمد عليها اتمام العمل ونجاحه، فالعمل بروح الفريق الواحد هو الذي يمهد له طريق النجاح، بمعنى ألا يتكئ على جهد غيره، لكنه يضيف إليه بما يملكه من إمكانيات مهنية عالية قادرة على أن تحقق له النجاح. اجتهاد على المستوى الفردي، وتعاون على المستوى الجماعي، وانسجام مع زملاء المهنة، كل هذه المعطيات، تشكل ركائز أساسية ليس لنجاح الصحفي فقط، بل ولنجاح الصحافة التي ينتمي إليها أيضا. فلا غرابة إذن أن يكون الصحفي المجتهد عملة نادرة، مطلوبة من المؤسسات الصحفية الشهيرة. [email protected]