06 نوفمبر 2025
تسجيلدشنت الزيارة الموفقة التي أداها سعادة وزير خارجية قطر إلى تونس الأسبوع الماضي عهدا نريده جديدا وسعيدا من العلاقات الأخوية القوية التي تربط بين تونس ودول مجلس التعاون. وقد تعاقبت تصريحات سيادة رئيس الجمهورية التونسية، وآخرها في حديثه للإذاعات حين أشاد بالتعاون التونسي القطري والخليجي عامة وعبارات التقدير التي جاءت في رسالة صاحب السمو أمير دولة قطر لتونس وشعبها والتي أكدها وزيره للخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وهو ما يعزز الإرادة التونسية القطرية والخليجية المشتركة لرسم خارطة طريق للتعاون والتضامن بين بلادنا التي اعتبرها العالم أنموذجا ناجحا للديمقراطية والوفاق بين شقيقاتها في الخليج العربي. ولعل أبرز ما تأكد من خلال زيارة الوزير القطري لتونس هو بيان حقيقة ساطعة كادت أقلام السوء أن تطمسها وهي بكل بساطة ما قاله السيد المنجي الحامدي وزير الخارجية التونسية السابق في أحد البرامج التلفزيونية من أن قطر والجزائر وتركيا والاتحاد الأوروبي كانت السباقة إلى الوقوف بجانب تونس في أوقات الشدة وأول الدول التي ساندتنا فعلا لا قولا. وهذه المعاني هي التي أكدها رئيس الدولة وأعضاء حكومته والأرقام التي قدمها السيد صلاح الصالحي سفير تونس لدى الدوحة تشكل أكبر دليل على جدية التعاون التونسي القطري في المجالات الاقتصادية الحيوية والمشاريع الوطنية القادمة. وأنا حين أسعد بهذا الصنف من التوجهات الدبلوماسية التونسية فلأن ظروف الحياة السياسية في بلادنا أتاحت لي فرصة الإسهام فيها منذ زمن بعيد خاصة عندما كنت من بين أصدقاء رئيس الحكومة الأسبق محمد مزالي رحمة الله عليه، وكانت بلادنا تعاني أزمة في اقتصادها وهياكلها الاجتماعية بسبب إغلاق أبواب أوروبا في وجوه كوادرنا وأيدينا العاملة حينما أعلنت دول الاتحاد الأوروبي كلها اعتناقها مبدأ ما سمي (الهجرة الصفر)، فكان محمد مزالي يفكر في فتح أبواب الخليج نظرا لما يربطه بقادته من علاقات ثقافية وفكرية، وبالفعل قام مزالي بزيارة عمل مطولة إلى كل دول الخليج في شهر مارس سنة 1982 وكنت من بين من رافقوه فيها، فزرنا الدوحة والرياض والمنامة والكويت وأبو ظبي وأتبعناها بمسقط، وكل من يراجع أرشيف الدولة لتلك الزيارة يدرك حجم الخيرات التي عادت على كوادر بلادنا التي فتحت في وجوهها أبواب الخليج للعمل في قطاعات التعليم والصحة والبترول وتكنولوجيا الاتصالات وحتى الجيش والأمن، واشتهر المقيم التونسي هناك بخصلتين هما الكفاءة والأمانة كما قال لي شخصيا أحد أبرز قادة الخليج. والحمد لله واليوم بعد ثلاثين سنة من تلك الزيارة ومعاهداتها تضاعف عدد التوانسة في دول الخليج عشرات المرات وأنا حين توليت سفارة بلادي لدى الدوحة كان عدد الجالية التونسية في قطر لا يزيد على 7000 وأصبح اليوم سنة 2016 يتجاوز 20000 كما أكد لي الزميل السفير الحالي. وسعدت من جهة أخرى بالبدء الفعلي في إنجاز المشاريع الكبرى المبرمجة في تونس من قبل شركة (الديار) القطرية وصندوق التعاون التونسي القطري، ومن بينها مشروع واحات توزر. كما أن المسؤولين القطريين يتجاوبون مع نظرائهم التوانسة حول أولوية تشغيل الشباب وتنمية الجهات المحرومة. ولا أدل على متانة العلاقات بين الدولتين من العرض الذي قدمه السفير التونسي بالدوحة حيث قال بأن قطر هي ثاني مستثمر عربي في تونس وفي عام 2014 أصبحت ثاني مستثمر عالمي بعد فرنسا من حيث حجم الاستثمارات في تونس ما يعكس عمق العلاقات بين البلدين، ووصل حجم المساعدات المالية أو السندات منذ الثورة حتى العام الماضي أكثر من مليار دولار. علاوة على وجود العديد من المشاريع الاستثمارية الأخرى، ملمحا إلى أن أكبر الشركات القطرية العاملة في تونس هي شركة أوريدو وبنك قطر الوطني والديار القطرية التي تنفذ مشروع منتجع سياحي كبير في مدينة توزر في الجنوب التونسي بقيمة 80 مليون دولار ومن المتوقع الانتهاء منه سنة 2018، كما أن صندوق الصداقة القطرية التونسية يعد مبادرة مبتكرة وذكية لترسيخ تعاون الدولتين في الميدان لتلبية حاجيات حقيقية، وقد أشار السفير الصالحي إلى أنه انطلق عام 2013 بتمويل 97 مليون دولار بهدف خلق فرص عمل داخل البلاد وبدأ في تحقيق هذه الأهداف بالفعل، حيث تم توفير فرص عمل لحوالي 5600 من شباب تونس من خلال تنفيذ ألف مشروع، موضحا أن المستهدف مضاعفة عدد المنتفعين من هذه المشروعات 10 مرات بحلول عام 2018 بحيث يصل عددهم إلى حوالي 50 ألف منتفع من خلال إضافة المزيد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتشمل لمناطق التونسية كافة. وأكد أن صندوق الصداقة القطري يعد تجربة رائدة في مجال التشغيل ونعتبره نموذجا ناجحا لعلاقات البلدين. ونقيس على النموذج القطري كل علاقات تونس مع دول الخليج الخمسة الأخرى حيث تكثفت زيارات التعاون بين بلادنا وكل دول الخليج على أعلى مستوى فتونس تعتبر اقتصاديا وإستراتيجيا بوابة القارتين الأوروبية والإفريقية وحلقة التواصل بين إمكانات الخليج وقدرات الإدارة والتصرف التونسية والأسواق الأوروبية والإفريقية إلى جانب ضرورة التنسيق السياسي في المواقف العربية وهي مواقف لا تزال في حاجة إلى التشاور والتناصح وتوحيد الرؤى المستقبلية في زمن أوصل حال العرب اليوم إلى درجات مؤسفة من الفوضى وفقدان البوصلة.