04 نوفمبر 2025

تسجيل

الانتخابات الأمريكية.. مواقع التواصل المرشح الخفي

05 مارس 2024

أشهر فقط تفصلنا عن الانتخابات الأمريكية، لتُعيد لنا أجواء انتخابات عام 2020، على ما يبدو، والخلاف الكبير الذي برز يومها، وقبلها فيما يتعلق بدور مواقع التواصل الاجتماعي في ترجيح كفة على أخرى، لكن يبدو أن المعركة اليوم ستكون أشد ضراوة وأكثر شراسة من سابقاتها، كون مواقع التواصل الاجتماعي أضيف إليها هذه المرة الذكاء الاصطناعي القادر على لعب أدوار مهمة في الحملة الانتخابية لصالح هذا الفريق أو ذاك. في مؤتمر ميونيخ للأمن والتعاون الدولي الذي عُقد أخيراً وقعت أكثر من 12 شركة عالمية بما فيها مايكروسوف وغوغل وميتا وتيك توك وأسوشيتد بريس وغيرها على اتفاقية تضمن الحد من استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التضليل للناخبين التي ستجري هذا العام في العالم، والتي قدر بأن أكثر من نصف سكان العالم سيشاركون في هذه الانتخابات وذلك في بلدان متعددة، وكان عنوان الاتفاقية الموقعة «الاتفاق الفني لمكافحة الاستخدام الخادع للذكاء الاصطناعي في انتخابات 2024». مثل هذه الاتفاقية عكست أولاً أهمية الذكاء الاصطناعي ودوره في قدرته على تضليل الجمهور والناخبين وحتى التلاعب في قراراتهم النهائية بالتصويت لصالح مرشح ضد آخر، كما عكست أهمية تحالف هذه الشركات في الحد من تأثير الجوانب السلبية للذكاء الاصطناعي، والذي هو في المحصلة لا تحكمه منظومة أخلاقية بشرية، لأنه لا يندرج تحت التشريعات والقيم الأخلاقية البشرية، بيد أنه وعلى الرغم من عدم اتفاق الشركات على إزالة محتوى نصي تم توليده بصيغة الذكاء الاصطناعي، إلا أنه ولمجرد اتفاق هذه الشركات على ذكر أن هذا المحتوى تم توليده بصيغة الذكاء الاصطناعي، يعد إنجازاً لكونه يُعطي رسالة للناخب في اتخاذ قراره بشكل أكثر حذراً. استطلاعات الرأي أشارت أخيراً إلى تراجع اهتمام المواطن الأمريكي بالأخبار السياسية وبالمواقع التي تركز عن السياسة والأخبار، وهو ما ظهر بلجوء المواطن الأمريكي إلى منصات تطغى عليها الجوانب الترفيهية والاجتماعية مثل منصات التيك توك، بعد أن هجر هؤلاء مواقع الفيسبوك ومنصة إكس وغيرهما، الأمر الذي يشير إلى ضعف الاهتمام الأمريكي بالعمل السياسي والانتخابي، وحتى أن بعض الدراسات الإعلامية في أمريكا تحديداً تتحدث اليوم عن تراجع تصنيف بعض محطات الكيبل المهتمة بالشأن السياسي، مما يدل على أن تراجع الاهتمام بالعمل السياسي والانتخابي ليس مقتصراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما ظاهرة عامة تنسحب على الأدوات الإعلامية التي باتت تقليدية مقارنة بمواقع التواصل. المحاكم الأمريكية في بعض الولايات أصدرت أحكامها تطالب الحكومات المحلية برفع تقييد حرية مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الحكومات المحلية قد فرضت قيوداً على المحتوى والمضمون، وبالتأكيد مثل هذه القرارات تفيد مرشح بايدن في مواجهة مرشح ترمب، وفي الحقيقة فإن مسألة التقييد والحد والمراقبة التي كانت تمارسها منصة إكس أو تويتر سابقاً قبل شرائها من إيلون ماسك كانت لديها لجنة لإزالة المحتوى الذي تراه غير مناسب، ولكن بمجيء ماسك فقد طرد أو سرّح كل هذا الطاقم، وترك مسألة إزالة المحتوى إلى المتابعين والمشاركين بحيث يقومون بالتبليغ عن المحتويات غير المناسبة ليقرر لاحقاً في مسألة الإزالة من عدمها، ولكن في النهاية القرار هو للمتابعين والمشاركين. للأسف والمثير للقلق والخوف لدى الأوساط المعنية فإنه مع كل انتخابات أمريكية تحديداً تتعهد الشركات الرقمية بإجراءات لمواجهة عمليات التضليل والتزييف، ولكن بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات نرى أنها فشلت في تحقيق العدالة الرقمية، وفشلت معها في عدم الحدّ من التضليل الانتخابي، مما جعل مثل هذه التعهدات غير موثوقة وغير مضمونة العواقب لدى الكثيريين، وتبين لنا جميعاً بأن الدرس الأهم الذي خرجنا به من هذه الشركات في أنها تجيد التقنيات، لكنها لا تتقن إدارتها، لاسيما وأن المادة 230 من قانون الاتصالات الأمريكية يحمي هذه الشركات بصفتها شركات اتصالات، وبالتالي فإن هذه الشركات لا تحاسب في حال وقوع أي مخالفة على شبكاتها، وهو ما ينطبق على المنصات الرقمية في حال أخطأت فإنها لا تُحاسب ولا تُعاقب، وهو الأمر الذي يُعيدنا إلى المربع الأول في ضرورة خلق تشريعات ومنظومات أخلاقية تنظم عمل إنتاج التقنية، وتنظم معها إدارتها.