16 نوفمبر 2025

تسجيل

الافتقار إلى الحل السياسي

05 مارس 2014

للوهلة الأولى تظهر متابعة الأخبار الخاصة بالعمليات العسكرية الدائرة في شبه جزيرة سيناء المصرية أن هناك حربا كاملة قد نشبت بين دولتين، فتعقب المشتبه بهم لا يتم عبر إجراءات الضبط والإحضار التي حددها القانون، ولكن عن طريق حملات مسلحة بطائرات الأباتشي ودبابات إم 60 ومدرعات. a113 وعربات الهامفى، وسيارات الدفع الرباعي الكروزر، بخلاف سيارات الإسناد والتموين والكشف عن المفرقعات.أما الحملة الإعلامية المصاحبة لهذه العمليات فتأخذ هي الأخرى شكلا دراميا، تتردد فيه تعبيرات من قبيل "مقتل"، "استهداف"، "مداهمة"، "حرق"، "تدمير"، "نسف"، وذلك في إطار صياغات تتحدث بشكل متكرر عن "ورود معلومات بوجود تجمع لعناصر تكفيرية شديدة الخطورة"، ثم "قيام الطائرات بشن هجوم صاروخي عليها، تقصف خلاله المنطقة المستهدفة بعدد (كذا) صاروخ". ولا تنسى المصادر الإعلامية أن تذكر أعداد القتلى والمصابين بالتفصيل عقب كل عملية، كما لو كانت تتفاخر بما أحرزته من غنائم حرب.أما رد الجماعات المسلحة فيأتي عن طريق شن ما يسمونه بحرب استنزاف اقتصادية ضد الأهداف المؤثرة وعلى رأسها صناعة السياحة وخطوط أنابيب الغاز. وفي هذا السياق يكفي أن يصدر بيان أو تهديد شفهي حتى تتراجع حركة السياحة ويهرب المستثمرون. فقبل عدة أيام وجهت إحدى هذه الجماعات (أنصار بيت المقدس) تحذيرا للأجانب بضرورة مغادرة مصر قبل العشرين من فبراير، وبالفعل استجابت معظم شركات السياحة العالمية وأعلنت عن إلغاء رحلاتها أو تحويلها إلى وجهات أخرى، ولم تلتفت إلى التطمينات التي رددتها وسائل الإعلام حول قدرة الأجهزة الحكومية على ممارسة السيطرة الأمنية، خاصة أنه قبل هذا الإعلان (16 فبراير) كانت هذه الجماعات قد نفذت بالفعل عملية تفجير بحق حافلة سياح من كوريا الجنوبية في طريقها إلى إسرائيل. تنامي الجماعات المسلحة في سيناء هو محصلة لغياب الدولة بكل مرافقها وخدماتها عن هذا الإقليم الحيوي على مدار عشرات السنين، إلى الحد الذي كان يرفض فيه منح الجنسية لعدد من أبناء القبائل السيناوية ممن كان ينظر إلى ولائهم بعين الشك (!). وقد أدت هذه الحالة المتراكمة من التهميش بالبعض منهم إلى حد اعتناق أيديولوجيات تكفر الدولة والمجتمع وتجيز الخروج المسلح عليهما. ولكن أيا ما كانت الأسباب التي ولدت هذه الظاهرة فإن علاجها أمنيا وباستخدام القوة المسلحة لن يجدي، وأقرب الأمثلة على فشل مثل هذا الأسلوب هو النموذج الجزائري والذي استغرق اختبار سيناريو الحل الأمني فيه قرابة العشر سنوات، وأسفر عن مذبحة لم يعرف العرب مثلها في العصر الحديث، ولم تهدأ وتيرة الأحداث إلا عبر سياسة الوئام المدني التي صنعت الشعبية الحقيقية للرئيس بوتفليقة، والتي على أساسها يتعاطف البعض مع ترشحه لولاية رابعة رغم ظروفه الصحية الحرجة، خوفا ربما من انفلات عقد الأمن وانزلاق البلاد إلى مواجهة دموية جديدة.الخطأ الآخر المرتبط بالملف السيناوي يتعلق بسعي قيادة الانقلاب لاستغلاله للتخلص من خصومها السياسيين، وذلك من خلال ربط عمليات التفجير بجماعة الإخوان المسلمين، وفق منطق ساذج مفاده أن جماعة الإخوان تقوم عن طريق أذرعها المسلحة بتنفيذ عمليات إرهابية بغرض الانتقام ممن أقصوها من السلطة، والهدف من هذا التوظيف السياسي للأزمة هو تأكيد وصف الجماعة بالإرهاب وعزلها اجتماعيا بعد أن تم عزلها سياسيا من جهة، وتبرير حملة الملاحقات التي تنفذها قوات الأمن الداخلي بحق النشطاء من أتباعها من جهة أخرى.الغريب أن التحليلات التي تربط بين العمليات التفجيرية في سيناء ورغبة جماعة بالإخوان في الانتقام بعد عزل ممثلهم، تتغافل عن حقيقة أن الكثير من الحوادث التي استهدفت رجال الأمن قد وقعت أثناء ولاية مرسي ووجوده في الحكم، الأمر الذي يتعارض مع نظرية الثأر لعزل الرئيس المنتخب. ولا ننسى أن الخطوة التي قام خلالها مرسي بالإطاحة بوزير الدفاع السابق ورئيس الأركان، جاءت في أعقاب مذبحة قتل فيها 16 جنديا مصريا في مدينة رفح المصرية في الخامس من أغسطس 2012. وبغض النظر عن تماسك المنطق الداخلي لهذه التحليلات فإن وجه الخطورة في مثل هذا التوظيف السياسي للأزمة أنه ينصرف بالمشكلة عن جوهرها الحقيقي ويخلق مشكلة جديدة، فالجماعة المستهدفة كانت منذ أشهر قليلة في موقع الحكم، وقد وصلت إليه بأصوات ملايين المصريين، ومن ثم فإن دمغها ومناصريها بالإرهاب لا يفعل أكثر من أنه يحدث شرخا جديدا في المجتمع المصري الذي استجاب الكثير من أفراده بالفعل للحملة الدعائية السلبية التي تشنها قوى الانقلاب بحق معارضيها. هذا الأداء المتخبط بين الحل الأمني من جهة والتوظيف السياسي للأزمة السيناوية من جهة أخرى لا يشكل حلا لمشاكلها بقدر ما يؤدي إلى تفاقمها، كما أن ثمة خطورة أن ينتقل منطق الحل الأمني من الدولة إلى الأفراد، فمن خلال تراجع مفاهيم دولة القانون، واستمرار المؤسسات الإعلامية والأمنية في تهييج المصريين بعضهم على بعض، ودمغ قطاعات واسعة بالإرهاب، يمكن أن تتحول الدولة إلى طرف في منازعة مجنونة مع قطاعات من الشعب، وهي المنازعة التي عادة ما تنتهي بخسارة جميع الأطراف.