11 نوفمبر 2025

تسجيل

الجود في الموجود

05 يناير 2014

يروى أن رجلاً اقترض من أحد المرابين مبلغاً من المال ولما حل موعد تسديده قصد صديقاً له فطرق عليه الباب فرحب به واستقبله استقبالاً جيداً وأدخله بيته وأجلسه إلى جانبه وقدم له ما يقدم للضيف.وبعد برهة من جلوسه بدأ يعرض لصديقه حاجته بقوله لقد اقترضت مبلغاً من أحد المرابين وقد أثقلني دفع الفوائد له وأطلب منك مساعدتي فسأله صديقه ما مقدار المبلغ الذي تطلبه؟‏فقال له ألف دينار فقال له صديقه ليس لدي إلا خمسمائة دينار فقط فقال: إن هذا المبلغ لا يسد حاجتي كما أن عطاءك هذا لا ينطبق على ما عهدته عليك فأجابه صديقه (الجود من الموجود) فأخذ المبلغ وودعه فغدا قوله مثلاً يضرب للاعتذار عن قلة البذل والعطاء وورد أيضا على لسان العرب (غاية الجود بذل الموجود).‏الجود هو اعلى مراتب الكرم اي الاعطاء بكميات كبيرة، ومنها اعطاء ما تملكه دون ان تُسرف او تبذر او تكلف نفسك مالا طاقة لك به لانه بذلك ينقلب الى التبذير والاسراف، ولطالما سمعت هذا المثل ولكن لم اعشه الا منذ فترة ليست بقصيرة مع احد المقربين لي، كانت لي زيارة مفاجئة لبيتهم، ولم نعتد على الاتصال (كما نقول البيت بيتكم وحيا الله من جا )، تفاجأت بضيافته لي بما قد وجد بمنزله من الشيء القليل، هنا ابتسمت واحببت طريقته التي لم تتغير منذ ايام الطفولة، احضر علب الاناناس والفواكه المشكلة التي قد جلبتها له، وقال مبتسماً (هذا مالدي للضيافة) فقلتً لا شعورياً الجود من الموجود، ذقت من تلك العلب وتلذذت وشعرتً بطعمها الحقيقي، انه من ذلك الذي وضع يده على كتفي حين كنتً صغيرةً ولم يطمع علي بالنصيحة والحب حتى وان كبرتُ، تغيرت عليه ظروف الحياة لكنه لم يتغير ولم تتغير مكانته في قلبي، وجدت من كرمه البسيط معاني الحُب لي كما قرأت في وجهه تهليلا وفرحة بوجودي جواره.تحل احياناً ضيفاً على اشخاص يتدينون ليضفوك ضيافة تليق بك فترتاح بلا منازع، وبالمقابل ان حللت ضيفاً على فئة اخرى يضيفونك بما هو موجود ولو كان قليلاً، تشعر حينها بقلوبهم الطاهرة التي لم تعلم معنى المجاملات ولن تعلم يوماً سوى المثل الذي يقول(مد ريلك على قد الحافك)، هذه الفئة تخجلني كثيراً لما اراه من سمحاتهم وطريقتهم النبيلة التي حبذا لو اتعلمها منهم واتبعها في حياتي، فهي قمة التواضع لا يحرجونك ولا ينحرجون منك، بل يعاملونك وكأنك (منهم وفيهم)، قال عليه الصلاة والسلام (أفضل العطية ما كان من معسر إلى معسر‏.‏ وقال‏:‏ أفضل العطية جهد المقل‏ ).