13 نوفمبر 2025
تسجيلنستمر في الحديث عن أوضاع السودان المائلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا طالما استمر تجهم النذر المحدقة به. وطالما استمرت حيرة أهل البلد القارة كيف يتصدون لهذه إزاء المخاطر في حالة شبيهة بحالة التسليم بقضاء الله الواقع لا محالة وقدره. وأنه لا معنى لجزع لا يفيد ولا ينجي من قدر نافذ. حالة النكوص والنكوس واليأس يبدو أنها انتابت الشعب والقيادة على حد سواء، فالرئيس عمر البشير الذي كان قد ابتدر حراكا سياسيا تحت مسمى (حوار الوثبة) في السابع والعشرين من يناير المنصرم، دعا من خلاله كل القوى السياسية الحزبية والنقابية وقوى المجتمع المدني إلى كلمة سواء للخروج بالبلد المأزوم من محنته التي طالت، انتكس فجأة وتراجع عن مبادرته بالكامل. ودخل في سباب ومهاترات مع ذات القوى السياسية التي دعاها إلى كلمة سواء من أجل لملمة شعث الوطن المكلوم، وكال لبعضها التهم بالعمالة للصهيونية العالمية والارتزاق من الأجنبي وخيانة الوطن، وتوعدها بالاعتقال والسجن لمجرد أنها جلست إلى بعضها البعض للتفاكر حول أوضاع بلدها المأزوم، لقد استشرى التأزم في كبد البلد والقيادة معا، لم يعد الوطن وحده هو المأزوم، إنما القيادة هي الأخرى مأزومة، فهذا رئيس يغضب لمجرد أن ثلة من أبناء الوطن جلست إلى بعضها البعض وتفاكرت حول أوضاع بلدها المأزوم ثم اهتدت إلى قرار بالجنوح إلى التفاوض السلمي. لكن القيادة اعتبرت أي اجتماع يعقده سودانيان هو بالضرورة موجه ضد نظام حكمها. هذه حالة من الهستيريا الفاقعة يصعب التعامل معها بروية. ما حدث مع السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وإمام الأنصار يدعو إلى التأمل، فالرجل حقق انفراجة سياسية كبيرة بإقناع زملائه في الجبهة الثورية بالجنوح نحو السلم. ولكن الرئيس الغاضب على الآخر حوله إلى عميل صهيوني وهدده بمحاكمته جنائيا إذا عاد إلى السودان، متناسيا أنه نفس الرئيس الذي منح السيد المهدي قبل فترة وجيزة أرفع وسام وطني، الأمر الذي يطعن في مصداقية الأوسمة الرئاسية التي تصدر من الرئاسة لزيد أو لعمرو. إقناع السيد المهدي للحركات المسلحة بالتحول إلى العمل السياسي كان فتحا سياسيا أشادت به القوى الدولية والإقليمية والجامعة العربية وفتحت حوارا مع مجموعة إعلان باريس حول سبل تطوير وإنفاذ الإعلان. وأيدته القوى السودانية على مختلف مشاربها السياسية. الأستاذ عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة (التيار) المميزة، وأحد أشجع الأقلام المنتقدة للنظام وهو الإسلامي المخضرم، وصف رفض الحكومة السودانية لخطوة السيد المهدي بالغيرة السياسية. الأستاذ الطيب مصطفى، خال الرئيس البشير، وصاحب المواقف المتشددة ضد معارضي الرئيس البشير حتى الأمس القريب، أعلن تأييده لمخرجات إعلان باريس بين السيد المهدي والحركات المسلحة. الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية أيدت الإعلان وفتحت حوارا حول سبل تطويره. ولكن القيادة المحتشدة غضبا جعلت من الرجل الذي حقق لها هذا الفتح عميلا صهيونيا، مثل هذه التهم الجزافية هي عمل ممارس ومطروق في عالمنا العربي يباشره الحاكم ضد الآخر المعارض عفو الخاطر ويمضي ولا أحد يسأله عن دليله، المثل الشعبي الذي يتحدث عن الذي دسّ المحافير من الذين جاءوا لمساعدته في دفن جثمان أبيه ينطبق على القيادة السودانية في موقفها من السيد المهدي وإعلان باريس.