06 نوفمبر 2025

تسجيل

سماحة البابا وقداسة المفتي 

04 أكتوبر 2018

"اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر هَمنا" هذا الدعاء العظيم سمعته بالتحديد وكما تسعفني الذاكرة لأول مرة في حياتي عند زيارتي الأولى لمكة المكرمة معتمرا مع والدي -رحمه الله- في سبعينيات القرن الماضي ولا يزال يتكرر في سمعي بالذات كلما لاح لي الحرم الشريف والكعبة المشرفة. وأردده أسبوعيا مع خطيب الحرم في كل جمعة إلا أن ما يحدث للإسلام بفعل تقاعس المسلمين وانغماس علماء المسلمين ومشايخهم في السياسة ومصالحها وتبعيتهم لأوامرها ومؤامراتها يؤكد بشكل لا يدع مجالا للشك أن مصيبتنا في ديننا أمر واقع ونمارسه بشكل دائم وبقصد مسبق. لقد بلغ بي التأثر مداه منذ بداية الحصار الظالم على قطر وحاصرني الحزن من كل جانب وأنا أرى مجازر الحكومة البورمية في إخواننا المسلمين الروهينجا وحار عقلي بين  موقفين دينيين إزاء هذه المجازر، أحدهما من قداسة بابا الفاتيكان والآخر من سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشقيقة، وقلت لنفسي: هل يعقل أن يصفهم قداسة البابا "بأنهم إخواننا وأخواتنا وبأنهم يُعذبون ويقتلون لا لشيء سوى أنهم على دينهم وثقافتهم" كما هاجم قداسته سلطات ميانمار بسبب هذه المعاملة. في حين لم يصدر عن سماحة المفتي العام بيان صريح يدين هذه المجازر التي لم يتعرض المسلمون لمثلها بشاعة من قبل ولم يشهد لها التاريخ مثيلا في حقبه الأخيرة. في حين كان سماحته مبادرا وحاسما في تأييده لحصار دولة قطر وشعبها المسلم الجار الشقيق في شهر رمضان العظيم مدعيا أن في ذلك خيرا لقطر ولأهلها. مثل هذه المفارقة تجعل الإنسان يُفكر حتى في الأمور التي كنا نظنها بديهية ولا تحتاج الى نظر أو اعتبار. كيف تسمح سماحة الإسلام وغيرته في المفتي بألا يدين رسميا مجازر إخوانه المسلمين في بورما؟ وتسمح في نفس الوقت بأن يُحاصر شعب عربي مسلم شقيق من جهاته الثلاث في شهر فضيل وعظيم بل إن عظمته مستمدة من صلة الأرحام والقربى فيه، وفي المقابل كيف دفعت قداسة البابا روحه الإيمانية الإنسانية إلى أن يقف مدافعا عن المسلمين في ميانمار ويصدر بيانا رسميا بذلك وهم أصحاب دين آخر. لقد انطَلقت يا شيخنا الجليل من قداسة الأوامر السياسية الملقاة عليك، لذلك كنت أقرب إلى القداسة منك إلى سماحة الاسلام، في حين انطلق البابا من سماحة الأديان وتعظيمها للإنسان، فهو أقرب الى السماحة منه الى القداسة، أين هي سماحة الإسلام يا شيخنا الفاضل وأنت تؤيد حصارا على بلد مسلم شقيق في شهر فضيل وأنت لا تدرك ولاتَعلم سوى ما يُقدم لك فتسمع شيئا وتغيب عنك اشياء، وكيف عرفت أن في ذلك فائدة لقطر ولشعبها إلا من خلال ما يُصب في أذنيك من كذب وافتراء. كان العشمُ فيك وفي دورك أكبر أو على الأقل كنت تنأى بأمانة الافتاء وبمنصبك وبالإسلام الذي تتشرف بحمل اسمه في بلد الحرمين الشريفين عن الولوج في مستنقع السياسة الآسن، في حين أن قداسة البابا الذي يستمد قداسته من ارتباطه بالكنيسة ولاعلاقة له بالسياسة انطلق من إيمانه ومن إنسانيته الخالصة فكان مؤثرا في بيانه ومتأثرا للإنسانية التي تأبى الظلم أيا كان مصدره، لقد كنت أنت الأجدر بإدانة المذابح في بورما، لأنهم إخواننا في الدين لقد كنت أنت الأجدر بقول الحق في إدانة الحصار الجائر على قطر لولا أنك تُحبذ الاستماع لوحي الدنيا وأوامر الأجندة السياسية وبريق المنصب على حساب الإنسان والجار والأخ وسماحة الإسلام . أتمنى أن تعود إلى السماحة ممارسة كما حَملتها لقَبا طوال هذه السنين يا شيخنا الجليل، فإن شباب الإسلام اليوم قد أصابه الوهن وخامرته الشكوك مما يلاحظه من تناقض واضح في مواقفكم أنتم علماء السعودية بالذات، حتى إن رابطة العالم الإسلامي التي تضم أكثر من مائة وأربعين دولة إسلامية قد أصبحت مُجيَّرة تماما للقرار السياسي السعودي سواء بالترغيب أو بالترهيب. حتى إن نسبة الالحاد في السعودية هي الآن الاعلى بين دول العالم العربي "معهد غالوب الدولي في زيورخ" جراء هذه التناقضات. إن موقفكم يا شيخنا الجليل من حصار قطر بالذات ومن مذابح الروهينجا في بورما ينطلق من قداسة القرار السياسي، بينما قرار البابا ينطلق من سماحة الأديان، لذلك أنت أجدر منه بحمل لقب قداسة المفتي العام وهو الأقرب لحمل لقب سماحة البابا لانطلاقه من قناعته الدينية فقط، حيث لا مدخل للسياسة عليه. أسأل الله العلي العظيم أن يطيل في عمر قداستكم وأن يحفظكم ويسبغ وافر نعمه عليكم. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه!. [email protected]