06 نوفمبر 2025
تسجيلتتزاحم الأحداث في داخلي، وتُحدث ضجة تبدو كبيرة بالنسبة لي، فهي تلك التي تتسبب من وقت لآخر بتورم رأسي ولدرجة يتجمد معها التفكير؛ لتُحجَب تلك التوقعات الخاصة بما يمكن بأن يكون ﻻحقاً فأعيش حالة غريبة جداً ﻻ أجد ما يُخلصني منها ومن ذاك المشهد سواه البحث عن منفذ يخرج منه ومعه كل شيء؛ ليتحول ومن بعد أن تنتهي تلك المهمة بسلام إلى مُنقذ ساهم بتحرير رأسي من ذاك التورم ومن قبله تلك الضجة، التي بدأت بتزاحم الأحداث المتنافسة على الفوز بالمرتبة الأولى في سلم الأولويات — الخاص بالموضوعات المُقترحة لهذا العمود — ولا يمكنها فعل ذلك حتى تتقدم بالمُبرر الحقيقي الذي يُبرر لها حق الفوز من الأصل؛ كي يأخذ بيدها ويساعدها على تحقيق ما تريده، وهو ذاك الذي ومتى وُجد كُتب له بأن يحظى بفرصة الوقوف في الصفوف اﻷمامية دون أن يجد من يُنازعه؛ لينتزع منه ذاك الحق، ويكفي بأن أقول أن ما قد مررت به أكثر بكثير مما كنت أتوقعه، ولعل ما قد فاز بالمرتبة الأولى؛ لتمكنه مني هو ما حل بأمي — شفاها الله — مع بداية هذا الأسبوع وترك أثراً غائراً في نفسي، فمن أتحدث عنها هنا هي أمي، تلك التي أدرك بأني فلذة كبدها، أما هي فلذة لم يدركها سواه قلبي؛ ولأنها تعني كل ذلك بل وما هو أكثر فلاشك بأن مؤشر الحديث سيميل نحوها، ومتى فعل فلابد وأن تتنحى كل الموضوعات جانباً؛ لأنها تدرك تماماً أن جوهر هذا الموضوع هو جوهر الحياة، وما يحمله بين طياته أعظم بكثير من أي شيء آخر، فالأم هي الوطن الذي ﻻ نشعر معه بالغربة أبداً، حتى وإن قست علينا الأيام وجردتنا معطف الأمن الذي يحمينا، أو مزقتنا ظروف الحياة؛ لنضيع معها هنا وهناك، أو ان أخذنا العمر لمحطات بعيدة جداً؛ لنصدق ونحن على ظهرها بأننا قد كبرنا وأن الهموم قد كبرت معنا ولدرجة أن حلها يبدو مستحيلاً في حين أنه ليس كذلك؛ لأن الله قد رزقنا بأم ستُقبل علينا بقبلة واحدة ستتمكن من كسر شوكة تلك الهموم؛ لتبدو تافهة جداً وﻻ تستحق منا التفكير فيها من الأصل، وهو ما أقوله عن قناعة تامة أدركتها كما يدركها غيري ممن يعرف قيمة أمه، التي تحبه وبإخلاص شديد لا تتخلى عنه أبداً، ولها كامل الحق في الحصول على ما هو أكثر منه في المقابل ودون أن تُطالب به من الأصل. لقد تأثرت كثيراً حين شعرت بوجع أمي، التي تتألم بصمت ودون أن تنبس بحرف واحد؛ كي تمنع امتداد ألمها إلينا، ولأني أدرك ما تعانيه من نظرة واحدة فلقد كان الأمر موجعاً فعلاً، وتطلب مني شجاعة كافية؛ كي أخفي تأثري بما يحدث لها من جهة، وأقف معها وأخفف عنها من جهة أخرى (وإن كان ما تعانيه بسيطاً) ولا أحسبه كذلك؛ لأني وباختصار شديد أتحدث عن أمي، أي الإنسانة التي خاضت العديد من المراحل قبل أن تصل بي إلى هذه الحياة، ولم تكن لتدرك معنى الراحة أبداً حتى تلمح الابتسامة وهي تحلق على وجهي، والأمل بأن تعيش ما قد عشته بفضلها في ذاك الحين؛ لأنها تستحقه فعلاً. إن ما حل بأمي في بداية الأسبوع قد تلاشى والحمد لله، وهي الآن في طريقها نحو الشفاء، وتواجدي معها كل الوقت جعلني أشعر ببعض ما كانت تشعر به حين كنت أنا المريضة وهي من تسهر على راحتي، وإنها لمهمة صعبة للغاية تستحق منا رفع القبعة؛ تعبيراً عن الإعجاب بعظيم ما كان منها ولابد وأن يكون منا ما سيقابله دون أن نُحدد له اسماً، فهو الواجب، وهو الفرض، وهو الجميل الذي يستحق منا رده وبشكلٍ جميل لا يقل جماله عن جمال ما كان منها من قبل. أمك ثم أمك ثم أمكمن الطبيعي بألا نختلف على ما قد سبق ذكره، فحق الأم أكبر بكثير من اتصال هاتفي نتكرم به متى سمحت لنا الظروف بذلك، أو هدية نجود بها في مناسبات مختلفة، أو زيارة قد تبدو؛ للسؤال عنها، ولكنها وفي حقيقة الأمر؛ لاستعراض الجديد الذي لا يهمها في شيء، ولا تفرح به إلا من أجل رؤية من تحبهم، ولكنهم وللأسف الشديد لا يفكرون بها حتى ترحل، (نعم) قد يبدو ما قلته مؤلماً ولكنه ما لا ينسلخ عن الحقيقة أبداً، ويستحق منا التركيز عليه؛ من باب التنبيه الذي يقع على عاتقنا، فكم من غافل جرته دنياه بعيداً حيث ذاك البريق الوهمي، الذي سيزول حتى من قبل أن يصل إليه، ثم وبمجرد أن يدرك الصواب؛ ليعود بخطواته إلى الوراء، سيكتشف أنه قد فرط بالكثير، ولا يوجد في هذه الحياة ما هو أكثر وأكبر من الأم.كلمة أخيرةفي زمننا الحالي نجد بيننا من يحسب بأن التطرق لموضوع الأم لا يمده بأي جديد يُشبعه، فهو يتطلع لموضوعات أخرى تهمه في هذه الحياة، متجاهلاً حقيقة أن أمه هي الحياة بذاتها، والواجب بأن يمنحها صفحة اهتماماته كلها بكل ما فيها، وليس ما تبقى منها وعلى الهامش، الذي يهشم قلبها؛ لبرودة أصابت قلبه الذي تخلى عنها، ولم يتذكر بأنها من ضحت بكل ما تملك من أجله، غير أنها لم تجد منه وفي المقابل إلا القليل.