16 نوفمبر 2025
تسجيلواضح أن الثورة المصرية متأزمة، بادعاء كل فريق من فريقي الرئاسة والمعارضة بأنه الذي يمثلها، وواضح أن شرعية الانتخاب وصندوق الاقتراع في مأزق خطير ولم تعد هي الحاكمة على الموقف.. فما الذي جرى في مصر؟ ولماذا انقلبت الأمور رأسا على عقب؟ وهل ارتكب الرئيس من الأخطاء أو الخطايا ما يقتضي أن تقف منه المعارضة هذا الموقف الأصم المغلق؟ وهل كل الذين نزلوا إلى ميدان التحرير اليوم ثوار وطنيون أم هم ثوار في الثورة المضادة؟ وأخيرا إلى أين تسير هذه الثورة؟ وأقول : أن يخلع حسني مبارك في ثمانية عشر يوما، وأن يفوز "الإخوان المسلمون" بأغلبية انتخابية في البرلمان ثم في الشورى، وأن ينتخب منهم بعد ذلك رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة.. وأن يكون كل ذلك في أكبر دولة عربية تقع على حدود المعسكر الصهيوني والمشروع الاستعماري الذي يمتد في أكثر من إحدى عشرة حملة عسكرية عبر أربعة عشر قرنا مضت.. لذلك فإنه يخطئ أشد الخطأ من يظن أن ذلك كان سيمر بسهولة أو يتم تقبله من أعداء الإسلام وأعداء الاستقلال وأعداء الثورات الداخليين والخارجيين.. ويخطئ أيضا أشد الخطأ من يظن أن ثورة كهذه يمكن أن تصل نهاية غاياتها بمجرد كونها سلمية وشعبية ومن خلال وقوف الآلاف في ميدان التحرير. الأكيد أن الرئيس مرسي ليس مبرأ من كل عيب، ولا هو منزه عن النقص.. لذلك لا يجوز ولا يصح إدانة المعارضة لمجرد أنها معارضة، ولا لأنها تتظاهر وتحتج عليه أو على قراراته أو سياساته، بل ولا لأنها تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة.. فذلك كله من الأعراف الحزبية ومقبول في عرف المواجهات السياسية التي تعرفها كل الدول والنظم في كل الدنيا، ومثل هذه المعارضات المحترمة والمعتادة توجد في مصر ولكن اللافت أنها اليوم في صف مرسي لا لذاته وليس بالضرورة قناعة بسياساته وبرنامجه ولكن لتثبيت الشرعية والديمقراطية التي جاءت به. أما المعارضة التي تحتل ميدان التحرير فإنها على الحقيقة وبالفعل لا بمجرد الوهم أو إلقاء التهم هي تمثل اليوم معول الهدم لكل شيء جميل في مصر.. فهي: 1- قبلت فلول النظام الساقط وأعادت منتجاتهم وتأهيلهم وتسويقهم والتحالف معهم حتى رأينا أشخاصهم قد صاروا لدى هذه المعارضة قيادات ومرشدين ومفكرين، ورأينا صور الساقط توزع في ميدان التحرير 2- وهي تعارض كل شيء وفي كل وقت وليس لديها برنامج ولا رؤية وبالتالي فهي معارضة عدمية عبثية ومن أجل المعارضة فقط 3- وأفسدت كل العناوين السياسية والوطنية ومكتسبات الثورة.. أفسدت معنى الديمقراطية وأفسدت هيبة واحترام القضاء، وأفسدت موضوعية ومهنية الإعلام، وأفسدت معنى وقيم وصورة الثورة وسمعة ميدان التحرير الذي صار ميدانا للتخليط ويعتدى فيه على النساء وتوزع فيه المخدرات، 4- وحولت الثورة من سلمية وشعبية وعمومية إلى دموية إجرامية تحرق مقرات الخصوم وتقتل المنافسين وتقطع طرق الآمنين وتقسم الوطن بين مسيحيين ومسلمين. هذه الممارسات والخطايا التي اتسمت بها معارضة ميدان التحرير وأفسدت أو تكاد تفسد كل شيء تهدد بفشل أول وأهم تجربة ديمقراطية شعبية مدنية حقيقية وتمهد بإعادة سطوة وسيطرة الجيش والمفسدين النهّابين وإعادة هيمنة الأعداء وممالكهم المالية والسياسية والفكرية والإعلامية فيها.. هذه الممارسات لا يمكن اعتبارها مجرد أخطاء أو حالات متفرقة؛ بدليل أنها تكررت في كل مرة كما لو كانت قانونا ومنهجية يتواصون بها ويصرون عليها، ثم لأنها ممارسات قادة قبل أن تكون تقليدات أتباع. فإن سألنا عن قادتهم كأشخاص واتجاهات واكتفينا بالخمسة الأكابر فيهم.. فسنجد "نجيب ساويرس" الذي هو ممول ميدان التحرير يواجه الاتهام بالخيانة العظمى ضمن قضية الجاسوس "بشار إبراهيم" المنظورة هذه الأيام في المحاكم المصرية.. أما "محمد البرادعي" فهو عضو جنباً إلى جنب مع المصرفي والجنرال الصهيوني "جورج سوروس" ومع وزير الخارجية السابق للعدو "شلومو بن عامي" في مجموعة الأزمات الدولية - اليهودية التي تعمل على تفكيك الدول العربية وتجريدها من الأسلحة الإستراتيجية، كما أنه كان مرشح الإدارة الأمريكية ضد المرشح المصري لرئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولن ننسى أنه الذي تباكى على الهولوكوست اليهودي في الإعلام الألماني، وأنه الذي بتقاريره الرسمية الزائفة عن أسلحة العراق التي طالت سوريا ومصر أيضا كان التكئة لأمريكا في غزوها للعراق وإسقاطها له، أما ثالثهم فهو "سيد البدوي شحاتة" وهذا أيضا عليه قضية تزوير، فيما الرابع "عمرو موسى" فهو عراب التسوية وهو الذي أمضى آخر ثلاثين سنة من عمره في خدمة النظام البائد فضلا عن أنه قبل ذلك من مجموعة كوبنهاجن للتطبيع مع العدو.. أما "حمدين صباحي" وهو خامسهم فهو وإن لم يتهم في ذاته بصهينة أو أمركة – حتى الآن - ولكنه الذي يضع يده في يد المجرم بشار الأسد وفي يد الفلول ثم إن على بعض أهل بيته قضايا نصب بمئات آلاف الدولارات. آخر القول: لا يمكن نسبة ما يجري في ميدان التحرير لثورة 25 يناير بل ولا يصح تشبيهه بها لا من حيث نوعية الثوار ولا من حيث أطراف الصراع ولا من حيث الأخلاقيات السائدة هناك.. وأما سعيهم لإسقاط الرئيس المنتخب وإفشال تجربة الديمقراطية والشرعية الانتخابية فإن قدر له أن ينجح فلسوف تكون له آثاره الكبيرة والخطيرة على زيادة اتجاهات التطرف في المنطقة وعلى معنى الثورة وروح الوطنية وهيبة الدولة وحتى على بناء مصر وبقائها.