12 نوفمبر 2025
تسجيلخلال هذا العام سيحتفي حزب المؤتمر الشعبي العام الذي أسسه ومازال يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بالذكرى الثلاثين لتأسيسه، والمؤكد أن هذه الذكرى ستأتي والحزب يمر بأقسى اختبار سياسي واجهه طوال العقود الثلاثة الماضية.. فقد تأسس هذا الحزب في أغسطس 1982م في شمال اليمن كتجمع سياسي للقوى الحزبية والمستقلين الذين توافقوا على (الميثاق الوطني) كمنهجية فكرية وسياسية للحكم وتوافقوا على (المؤتمر الشعبي العام) كأداة سياسية يتم عبره تطبيق فكر الميثاق والسير على مبادئه.. وفي الوقت ذاته فإن إنشاء المؤتمر كان حاجة وطنية ليكون مقابلا موضوعيا للحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم جنوب اليمن.. فقد نصت اتفاقية طرابلس الوحدوية الموقعة عام 1972م بين رئيس شطري اليمن القاضي عبدالرحمن الإرياني وسالم ربيع علي على تنظيم سياسي موحد يحكم الدولة اليمنية الواحدة وهذا اقتضى من قيادة الشطر الشمالي أن تبدأ بالتفكير في إنشاء تنظيم سياسي رغم أن دستور الشمال حينها كان يحرم العمل الحزبي فيما أن الأحزاب السياسية كانت تعمل بشكل واضح دون أن يكون لها مقار وأدبيات علنية.. وجرت محاولة لإنشاء تنظيم سياسي في عهد القاضي الإرياني تحت مسمى (الاتحاد اليمني) لكنه لم يستكمل بناه التنظيمية، وتوقفت المحاولات حتى تأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي نبتت فكرته في عهد الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي.. وطوال سنوات ما قبل الوحدة كانت القوى السياسية السرية تتنافس على الفوز بأكثر عدد ممكن من مقاعد اللجنة الدائمة (المركزية) للمؤتمر رغم أنه لم يهيمن على الحياة السياسية كما كان حال الحزب الاشتراكي في الجنوب. وفي المفاوضات النهائية لإعلان استعادة وحدة اليمن أصر الحزب الاشتراكي اليمني على تجاوز البند الخاص في اتفاقية طرابلس بإقامة تنظيم سياسي موحد وانتهاج التعددية السياسية والحزبية بدلا عنه في الدولة الجديدة، وهو ما كان بالفعل فوجد اليمنيون أنفسهم في اليوم التالي لإعلان الوحدة على موعد مع نمط جديد في الحياة السياسية لم يألفوه طوال العقود الماضية.. وفيما توالى الإعلان عن إنشاء الأحزاب السياسية فإن (المؤتمر الشعبي العام) - الذي أصبح شريكا بالنصف مع الحزب الاشتراكي في إدارة شؤون الدولة اليمنية الجديدة - وجد نفسه أمام أول تحد حقيقي وهو تحدي التحول إلى حزب سياسي حقيقي خاصة بعد أن خرجت من عباءته العديد من التيارات السياسية كالإخوان المسلمين وحزب البعث وبعض التيارات الناصرية واليسارية وأعلنت عن نفسها كأحزاب سياسية بعيدا عنه.. وجاء الاختبار الأول للمؤتمر في الانتخابات النيابية الأولى التي جرت في ظل التعددية عام 1993م واستطاع أن يحصل خلالها على 123 مقعدا من إجمالي 301 مقعد، وكانت تلك النتيجة بالتأكيد حصيلة جهد استثنائي بذله رئيس الجمهورية ورئيس الحزب علي عبدالله صالح وإدارته المباشرة للعملية الانتخابية الخاصة بحزبه، واستخدم فيها ثقله السياسي وقدرته على استقطاب الكثير من الواجهات الاجتماعية ناهيك عن توظيف كل إمكانات الدولة التي كان يتقاسم إدارتها مع حليفه اللدود حينها الحزب الاشتراكي اليمني. كان للمؤتمر الشعبي العام دوما (وظيفة انتخابية) في نظر صالح وليس أكثر فهو لم يرغب مطلقا في جعله حزبا سياسيا حقيقيا على نمط الأحزاب الأخرى الموجودة على الساحة وجميعها في المعارضة.. وقد يكون ذلك نقطة ضعف في ديمقراطية ناشئة لكن صالح لم يرد أبدا أن يتحول المؤتمر إلى قيد سياسي على قراراته وتوجهاته السياسية في حال أصبح حزبا سياسيا حاكما بالفعل، لكنه لم يحكم يوما بالفعل كما هو حال الأحزاب السياسية في دول عربية أخرى.. فعلى سبيل المثال لم تقم يوما لجنته الدائمة (المركزية) أو لجنته العامة (المكتب السياسي) باختيار من يرأس الحكومة أو أعضائها.. ولذلك فإن المؤتمر لم يتحول يوما ما إلى حزب عقائدي أو حديدي، وهذا محسوب له وإن جاء على حساب أوضاعه التنظيمية المعرضة لتحديات كبيرة خلال الفترة القادمة بعد أن غادر مؤسسه ورئيسه منصب رئاسة الجمهورية، وهو الذي كان يحرص دوما على الحصول على أغلبية نيابية منذ عام 1997م تصل إلى 75% من مقاعد البرلمان مستخدما كل كاريزميته ونفوذه وهيمنته على جميع مفاصل السلطة من خلال التلويح بالكثير من المصالح المختلفة، رغم أنه كان قادرا على الحصول على أغلبية عادية تتجاوز نصف عدد المقاعد بنسبة بسيطة تعطيه حجمه الحقيقي، إلا أنه كان يحرص على الاستئثار بثلاثة أرباع المقاعد باعتبارها النسبة اللازمة لإجراء تعديلات على الكثير من مواد الدستور التي لا تحتاج إلى استفتاء شعبي. اليوم سيجد المؤتمر الشعبي العام نفسه يواجه أهم وأخطر تحدياته بعد أن أصبح من المحتم على رئيسه ومؤسسه التخلي عن قيادته لرئيس الجمهورية الجديد المنتخب عبد ربه منصور هادي، إذ يستحيل على الرئيس هادي أن يقبل أن يكون هناك من يترأسه في الحزب الذي يتولى موقع نائبه الأول وأمينه العام، كما أنه من المستحيل أن تقبل القوى السياسية وبقية قوى الثورة الشعبية التي أطاحت بصالح من الحكم أن يظل رئيسا للحزب الذي يحتل نصف مقاعد حكومة الوفاق الوطني ويكون بشخصه طرفا في الحوار الوطني.. وبالتأكيد فإن المؤتمر الشعبي العام لن يحتمل حدوث أي انشقاقات أخرى من صفوفه بعد أن خسر عددا غير قليل من كتلته البرلمانية أثناء الثورة الشعبية، ولذلك سيجد نفسه معنيا بإنجاز تغيير جذري في صفوفه يبدأ باستبعاد صالح من رئاسته وينتهي باستبعاد كل العناصر المتطرفة من صفوفه وقياداته باعتبارها كانت سببا مباشرا في استثارة الشارع ضد نظام صالح، واستمرت طوال شهور الثورة تمارس استفزازاتها وتحول دون توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وهي اليوم تواصل دورها السلبي ضد كل الإجراءات والقرارات التي يتخذها الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني باتجاه تطبيع الأوضاع وإعادة الأمن والاستقرار وتخلق أجواء التوتر السياسي سواء في البرلمان أو الحكومة أو الحياة السياسية عموما.. وهذا ما يرمي بالمسؤولية على الجناح المعتدل في المؤتمر وهو يشكل الأغلبية للإسراع في إنقاذ المؤتمر من حالة الاختناق التي يواجهها بسبب إصرار صقوره على جعله مجرد غطاء سياسي لاستمرار نفوذ صالح وعائلته في أجهزة الجيش والأمن.