09 نوفمبر 2025

تسجيل

إنسان (المول)

04 مارس 2021

قبل عدة سنوات لم يكن في الدوحة "مولات" سوى القديم الذي انشئ على ما يبدو في اواخر السبعينيات، وكان حدثا كبيرا في مجتمع لم يعتد على كل هذا التجمع في مكان محدود الى جوار تنظيم واضح للسلع وللمطاعم أو الكافتيريات داخله. سمعت ساعتها عن زوار من المملكة العربية السعودية للتبضع فيه والتسوق في أرجائه، واستمر الحال على ذلك مدة طويلة، حتى عهد قريب حينما انتشرت المولات وتكاثرت بشكل مشهود في ارجاء قطر، لا يهمني كيف أنشأت ولمن وهل هي فعلا امتداد لاقتصاد حقيقي ام لا؟، ما يهمني أثرها الاجتماعي على المجتمع وهنا لي بعض الملاحظات لعلي أبديها: أولا: المولات للتبضع وللفرجة في مجتمع يعاني من بطالة مقنعة، لذلك اصبح هناك ما يشار اليه بإنسان المول بحيث اذا ذكرت "مول" معينا تبادر الى ذهنك تواجده. ثانيا: لست أدري اذا كان لها أثر على فترة قضاء الفرد في بيته، كما كان قبل وجودها ولكن المؤشرات تدل على ذلك، فبالتالي لها تأثير غير مباشر على الاسرة. ثالثا: تبدو مكانا لرؤية مؤشرات اجتماعية هامة في المجتمع منها الزي واللبس، فيمكن مثلا معرفة الموضة السائدة للعبايات النسائية من خلال التجوال في المول، كذلك يمكن من خلالها الإتيان بانطباع عن نسبة الاجانب وجنسياتهم في البلد. رابعا: يمكن ملاحظة العديد من السلوكيات الجديدة وربما الغريبة على المجتمع من زيارة المول أو عدد من المولات، مثل البشاعة في المظهر بشكل لافت او التطرف في استخدام الموضة، او ايجابيا ممارسة رياضة المشي المكيف للعديد من الناس خاصة في الطقس الحار. خامسا: ظهور الشللية الاجتماعية بصورة اكبر، فدائما تجد مجموعة من الاصدقاء في مكان معين في وقت معين من الاسبوع، ولكنها عفوية وبلا - طبعا - برامج، مقارنة بما عرف عن بعض المقاهي في بعض الدول من كونها أشبه بتجمع ثقافي فلسفي بين شيخ ومريديه. سادسا: تبقى الفرجة هي النشاط المشترك للجميع، بل يبدو وجود او كثرة هذه المولات في بلد صغير كقطر ضغطا على الفرد وعلى الاسرة، لأنه من السهولة بمكان التحول من نشاط الفرجة الى التسوق اللامبرر او الزائد عن الحاجة. سابعاً: تحل المولات شيئا فشيئا محل ثقافة "الفريج" المندثرة، فأهل كل منطقة عادة ما يأتون الى الاقرب منها اليهم، ولكن ليس بشروطهم كما الحال في "الفريج" وانما بشروطها "المولات" فتحدث التغيير فيهم ولا يستطيعون التغيير في نمطها او اسلوب الخدمة فيها سواء تسوق او تجول وحركة. ثامناً: اذا زاد عدد المولات بالتناسب مع عدد السكان اختل الجانب التقليدي "التقاليد" والطابع الاجتماعي المميز للبلد والمجتمع، حيث قد تشكل الكتل الموجودة داخل هذه المولات انماطا سلوكية لا علاقة لها بالمجتمع تفرض مع الوقت وجودها وحضورها. تاسعاً: انسان المول غير نشط كإنسان الاسواق السابقة "الشبرات مثلا" الذي كان يأتي مباشرة ليشتري ويذهب أدراجه، فإنسان المول يمعن النظر ساعات في كل شيء حوله من بشر ومن حجر قبل ان يمد يده ليشتري الحاجة التي أتى لشرائها. عاشراً واخيراً: كثير من مرتادي المولات من المثقفين بودي لو كانت هناك جمعيات ثقافية دائمة تنفق على مستهلكها ثقافيا كمؤسسات المجتمع المدني بأشكالها، لعل ذلك هو الحل الوحيد لجذب انسان مثقف المول الى مكانه الحقيقي وهو جمعيات المجتمع المدني.