16 نوفمبر 2025
تسجيلكثيرة هي البلدان التي لم تسلم من موجة الدخيل، ولعل أوجه الغزو الفكري والثقافي هي تلك التي رسخها المستعمر لدى العديد من الأمم والشعوب التي رزحت تحت نير الاحتلال، ولم يكن الغزو، بأي حال من الأحوال، غزوا بالمعنى التقليدي نابعا من السيطرة على ثروات البلاد ونهبها، بل كانت امتداداته أشمل وأعم لصالح طمس معالم الهوية وانتزاع ملامح وجذور الانتماء. المجتمع القطري وعلى الرغم من خضوع قطر للنفوذ العثماني والاحتلال البريطاني طيلة فترات وأزمنة من تاريخ البلد، فضلا عما واكبها من تحولات ديموغرافية واقتصادية وتكنولوجية، فإنه بقي صامدا أمام الاجتياح الأيديولوجي والثقافة الدخيلة، وحافظ، عن وعي تام، بالهوية الأصيلة وبمبادئ العروبة والتعاليم السمحة. المواكب للحركة الإمبريالية عبر كل الأقطار لايمكن أن يتجاهل حجم التغلغل الذي واكب ظهورها ومخلفاتها إذ كان اجتياحا حقيقيا تأتى من خلال التأثير على العادات والتقاليد ونمط العيش وأساليب الحياة من مأكل ومشرب ولباس وطريقة الحديث، علاوة على أوجه التفسخ والانحلال وغيرها من مظاهر التقليد، في حين بقيت قطر وعلى الرغم من المستوى الاقتصادي المرتفع ومكانة التحول التكنولوجي العالي محافظة وأكثر رسوخا في التشبث بالهوية الوطنية والأصالة العربية من حيث الحفاظ على الموروث الثقافي المحلي الخاص باللباس واللغة والمعمار وأساليب الحياة وطقوس الاحتفالات الرسمية والعائلية. ولعل أبرز أوجه الاعتزاز هو ثقافة المجلس وحضوره في بنية المجتمع القطري، إذ يعد خاصية متفردة لا يكاد يخلو منها أي بيت، كما يعد إرثا راسخا يتم من خلاله التداول في كل جوانب الحياة وتدارس القضايا منها الآنية والمستقبلية، علاوة على كونه الفضاء الأرحب للعلم والإرشاد والتوجيه وحلقات الدرس وقرض الشعر وغيرها من أوجه اللقاءات بين الناس من مختلف المشارب ومراكز القرار داخل الدولة. والحديث عن مكانة المجلس يقودنا إلى التوقف عند إشارتين بارزتين لا يمكن المرور عليهما بمجرد التلميح بل لابد من الوقوف المتأني للتدليل على هذه المكانة: -الأولى: هي حضور المجلس في المحفل الرياضي من خلال تبني النقاش والتحليل للمباريات والتظاهرات عوض الفضاء الاعتيادي (الأستوديو)، وإعطاء مساحة ضافية بحضور عدد من الوجوه الرياضية التي لها باع في مجال الممارسة أو في مجال التحليل سواء منه الفني أو التقني. - الثانية: هي حضور ثقافة المجلس في مفكرة التصورات الخاصة بمشروع مونديال 2022 من خلال تشييد ملعب البيت بمدينة الخور المستلهم من هذه الثقافة، فالتصميم كان بحق في غاية الدقة والبراعة ومتماشيا مع خصوصيات المجتمع، ولعل العالم سوف يقف مشدوها وهو يرى بأم عينيه هذا المَعلم إبان المونديال ويتملى بهذه الصورة الرائعة المعبرة المكتوبة بمداد الفخر: ملعب البيت وجه حضاري بعبق التراث القطري.