17 نوفمبر 2025

تسجيل

في بطن الحوت

03 ديسمبر 2015

قد يجمح بك الخيال فتتصور أنك تعيش حيناً من الدهر طال أم قصر، في كهف من الكهوف الموحشة، أو في أدغال الأمازون أو في منطقة نائية لا أثر لحياة فيها.. لكن لا أظن خيالك مهما اتسع أن يوصلك إلى التصور بالعيش في بطن حوت وأنت حي ترزق، بالضبط كما كان مع نبي الله يونس، الذي لم يكن يتصور يوماً أنه سيعيش لفترة زمنية معينة في بطن حوت!!. قصة عجيبة لا تحدث بالطبع سوى للأنبياء أو أصحاب الكرامات، وقليلٌ ما هم.. فحين يئس النبي يونس من قومه ولم يؤمنوا به، أخبرهم بقدوم عذاب الله بعد ثلاثة أيام، ثم غادر قرية نينوى، وأبحر غاضباً.. لكن القوم شعروا بجدية الأمر فندموا وبدأوا يتضرعون إلى الله ألا ينزل عليهم عذابه، فاستجاب لهم.. "فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين".أما النبي يونس، فقد واجه متاعب جمة منذ مغادرته القرية، حيث هاج البحر وما تلا ذلك من أحداث في قصته المعروفة عليه السلام، والتقام الحوت له، وكيف عاش في ظلمات البيئة المحيطة به مدة من الزمن لم يحددها القرآن، ظلمة بطن الحوت، وظلمة قاع البحر حتى أنجاه الله مما كان فيه، وذكر القرآن سبب نجاته وهو أنه كان من المسبحين المستغفرين وهو في بطن الحوت، حيث كان يردد الدعاء المشهور عنه، ألا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين.من دعوات فك الكرب والهم والحزن، كما في الأحاديث، هو دعاء يونس، فدعوته تلك كانت نتاج مشاعر مختلطة من الخوف والتوبة والإنابة والرجاء، وفي أجواء لم تمر على بشر أو يعشها إنسان من ذي قبل.. فكانت دعوته صادقة مخلصة شفافة، سمعها أهل السموات كما في بعض الأحاديث، فسألوا الله له النجاة، ثم صارت بعد ذلك دعوة لكل المؤمنين وليست خاصة بالنبي يونس عليه السلام.حدّث سعد بن أبي وقاص ذات يوم عدداً من الصحابة، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدثهم بحديث، ثم جاء أعرابي فشغله، حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته - كما يقول سعد - فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله، ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من هذا؟ أبو إسحاق؟ قال: قلت: نعم يا رسول الله. قال: فمه؟ قلت: لا والله، إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة، ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك. قال: نعم، دعوة ذي النون، إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له.