16 نوفمبر 2025
تسجيلتتعدد مشارب من يستعملون وسائل الاتصال الاجتماعي على الأخص "تويتر"، وتتعدد مرجعياتهم كذلك، يلقون بآرائهم "وتغريداتهم" وسط محتوى واسع وفسيح. فإذا أدركنا أن هذه الوسائل هي نتيجة أساسا لعالم مفتوح ومجتمعات منفتحة، فمهمتها في مجتمعاتها الأصل تأكيدي، بينما مهمتها في مجتمعاتنا التي تستقبلها وتتعامل معها كمفرزات استهلاكية، من المفروض أن تكون مهمة"تدشينية" ولي هنا بعض الملاحظات: إذا استبعدنا أسلوب المحادثة، فإن ما يلقى في تويتر من كمية كلامية فكرية وآراء مختلفة تنزع إلى مرجعيات متعددة وربما متضاربة أحياناً قد تحيل إلى إمكانية إيجاد مرجعيات وسطى، لم يستطع المجتمع إيجادها فعليا فوجدت افتراضيا، نظراً لهذا التنوع الكبير والاختلاف الواسع بعيدا عن المواجهة الفجة التي قد تؤدي إلى الاصطدام. - أعتقد أن الفكر مع تويتر سينتقل إلى المستوى الأفقي مع الوقت ولن يعتمد مستقبلا على المستوى الرأسي المشتق مباشرة من الأصول والمرجعيات، نظراً لوجود "المطبخ" الذي تختزل فيه الأفكار في بوتقة واحدة فتؤثر وتتأثر، ما قد تحققه هذه الوسائل "تويتر والفيسبوك" لمجتمعاتنا بعد ثورات الربيع العربي هو إعادة توزيع القوة داخل المجتمع، فيصبح للمجتمع وصوته قوة لم تتحقق له من قبل وهذا أمر في منتهى الأهمية، لأن فساد الأمة سابقا كان في تمركز القوة في نقطة واحدة وجهة وحيدة. هناك حسابات بأسماء شخصيات كبيرة وحكام بعضها حقيقي وبعضها الآخر مفتعل، هنا المجتمع يجري عملية تطهير ذاتية فيتقمص الشخصية حبا أو كرها ليظهر إفرازاتها ودورها وتأثيرها السلبي والإيجابي في المجتمع. مثل هذه المواجهات لم تكن لتتم حقيقة وواقعية، نظرا لطبيعة السلطة العربية، ولكن أمكن إيجادها افتراضيا وهو بداية لإمكانية تحقق الفرض عملياً مستقبلاً. - العالم المتقدم انتقل من الواقع الفعلي إلى الواقع الافتراضي فهو يقيم حروباً افتراضية ويدشن عصرا من اللايقينيات الثابتة، عالمنا يتجه بالعكس من العالم الافتراضي إلى واقعه المرير أملا في تغييره والارتقاء به إلى مستوى اليقين الإنساني. - المجتمع العربي مجتمع يعيش على الزيف وضرورة التماثل لتكسب الحمد حتى بدون اقتناع، هذه الوسائل إلى حد ما تثير الغثيان لدى البعض عندما يكتشف حقيقة الآخر الفكرية وهويته الثقافية، هنا قد نخلق مجتمعا مدنيا افتراضيا كمرحلة أولى لتدشينه واقعيا. لمست شخصيا تغير فكر البعض إيجابيا بعد دخولة عالم تويتر وأجوائه، يبقى أن نشير إلى أن هناك كذلك نفسا آخر شديد التطرف في التعبير عن رأية فيستخدم من الألفاظ أشدها ومن الكلام أمره ويلقي التهم يمنة ويسرة، وفي الحقيقة لا يدين إلا نفسه واسمه المستعار الدال على زيف ما يقول وخوفه أصلا مما يدعي. فهو في حالة "نزق" شديد لخوفه من الحرية. - يبقى أن ضرورة تكيف المجتمع الواقعي مع المجتمع الافتراضي، المغردون اليوم انتزعوا السلطة من الكُتاب وبعضهم أصدر كتبا من تغريداته. - استطاع تويتر والفيس بوك زعزعة كيان الدولة الحديدية، فها هي التغريدات مباشرة إلى الرؤساء والحكام تطالبهم بحقوق الشعوب عليهم، وها هم رؤساء الدول يتسابقون على فتح حسابات لهم. لقد أسقطت تكنولوجيا الاتصال العقيدة الديكتاتورية أيا كان نوعها ومصدرها، وجعلت من الفكر والرأي قيمة إنسانية وسطى، تقبل التجاور والتحاور والابدال والظرفية. [email protected]