07 نوفمبر 2025

تسجيل

فروسية قتل الأطفال

03 أغسطس 2015

لدي قناعة قوية بفروسية قطعان بني صهيون, سواء لدى نخبهم الحاكمة المتمثلة في بنيامين نتنياهو الذي يرأس حكومة من عتاة التطرف في الكيان, أو جيش الاحتلال أو قوات الأمن, أو المستوطنين الذين يتصدرون المشهد السياسي والديني في هذه الدويلة التي ابتليت بها الأمة العربية، غير أن هذه القناعة تضاعفت مساحتها وتضاريسها عندي, بعد أن قام هؤلاء القطعان بدعم وإسناد من جيش وأمن الاحتلال بجريمة حرق منزل أسرة فلسطينية بالكامل فجر يوم الجمعة الفائت وأفرادها نيام، مما أدى إلى استشهاد طفل لم يبلغ العامين وإصابة باقي أفراد الأسرة بجروح بالغة, وأظن أن التاريخ لم يرصد فروسية من هذا النوع من قبل وحتى من بعد, إلا إذا تكررت من قطعان بني صهيون، وهو أمر مؤكد لأنه منذ وجودهم غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية العربية, وهم يمارسون أنماطا متعددة من الفروسية تجاه الأطفال الأبرياء, أو النساء العزل أو الشيوخ الذين حاصرتهم السنون, أو الشباب الذي لا يحمل سلاحا يقتلونهم أو يحرقونهم أو يغتالونهم, أو يحاصرونهم حتى الموت أو يهدمون منازلهم على كل من فيها، صنوف من العدوانية والهمجية غير مسبوقة أو مكررة في دفتر أحوال البشر، لا يمارسها إلا هؤلاء القطعان الذين جاءوا بدعم وإسناد واضح وسافر من الغرب، وفي المقدمة منه بريطانيا العظمى التي منحت الوعد في العام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين العربية, وقدمت العون الرئيسي لإقامة الكيان غير الشرعي في العام 1948 ولم يتحرك ضمير نخبها السياسية حتى الآن, لتصحيح هذا المسار المغلوط الذي لا يتسق مع جوهر الحضارة الإنسانية التي يزعم الغرب أنه يدافع عنها، ثم جاءت الولايات المتحدة لترث الدور البريطاني في تقديم الدعم والإسناد والعون, بكل أشكاله العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية لهذا الكيان, حتى صار هناك التزام مبدئي إستراتيجي معه بالدفاع عنه, وجعله الأكثر تفوقا عسكريا على كل جيرانه, بحيث لا تتوافر ثمة قدرة على تهديده من هؤلاء الجيران, الذين أقروا بحقيقة وجود هذا الكيان في وثيقة رسمية أطلق عليها مبادرة السلام العربية في العام 2002, والتي - على الرغم من تضمنها استعداد العرب للتطبيع الكامل مع الكيان إن اختار سبيل السلام - فإن قادته من اليمين واليسار وعلى تنوع حكوماتهم منذ ذلك التاريخ, لم يقبلوا بها وظلت بمنأى عن أي مفاوضات جرت بين الجانبين على مدى العقد الأخير. إن قطعان بني صهيون يتعاملون مع الشعب الفلسطيني بحسبانه كائنات من الدرجة الثانية، تستحق القتل والاغتيال والسحق والدهس والمحاصرة والتعذيب على المعابر وفي السجون، وذلك على الرغم من كل ما يتشدقون به من تبني قيم الديمقراطية الغربية ودعايتهم المستمرة منذ إطلاق كيانهم غير المشروع، بأنهم يمثلون واحة الديمقراطية في المنطقة وسط محيط من الوحوش. هل يمكن للمرء أن ينسى الطفل الفلسطيني محمد الدرة ( 12)، والذي قتله جند الاحتلال بقلوب باردة تنم عن توحش استثنائي في التاريخ في الثلاثين من سبتمبر من العام 2000, أثناء المواجهات معه, ضمن فعاليات انتفاضة الأقصى التي اندلعت احتجاجا على تدنيس أريل شارون رئيس وزراء الكيان الأسبق للمسجد الأقصى وقت أن كان زعيما للمعارضة, وأراد أن يعمد نفسه ليأتي على رأس حكومة من المتطرفين بتلويث هذا المكان المقدس, على الرغم من أن والده ظل يشير بإصبعه لهؤلاء الجند القطعان بالتوقف عن إطلاق النيران, ولكنهم لم يفعلوا واستمروا يطلقونه في حقد دفين على كل طفل فلسطيني, فسكن محمد على ساقي والده مسجي في دمائه. وبالطبع، فإن عملية حرق قطعان المستوطنين للطفل محمد علي دوابشة - والكلام لوالد الطفل محمد الدرة جمال الدرة في حديث لصحيفة مصرية - هي عملية إرهابية ونازية بمعنى الكلمة، وهذه ليست أول عملية، والتاريخ يشهد على حرقهم للشعب الفلسطيني منذ احتلال فلسطين إلى يومنا هذا, فقبل عام تم حرق الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير، حيا, وقُتِل الكثير من أطفالنا، وهذه عقيدة مرسخة عندهم. المستوطنون يقتلون ويحرقون وتحميهم قوات من الجيش الصهيوني، ولا أحد يحرك ساكنًا للأسف من أمتنا، بل الكل يدين ويشجب وماذا تفيد هذه الكلمات الرنانة. والله لو كانت الصورة بالعكس ونفّذ العملية فلسطيني لقامت الدنيا كل علينا ولم تقعد". ويتابع "الدرة" قوله: "عشرات الأطفال قتلوا بدم بارد فلا نستطيع أن ننسي محمد الدرة، فارس عودة، والطفلة الرضيعة إيمان حجو، وكثير غيرهم، ولم يحاكم هذا المحتل على كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها ويرتكبها في حق شعبنا، ولم يكون هناك إصرار من قيادات وزعماء أمتنا على مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم، حسبنا الله ونعم الوكيل ورحمة الله على شهدائنا وشهداء أمتنا". ما يقوله جمال الدرة هو عين الصدق فكل, ما فعله العرب وغيرهم هو إصدار بيانات شديدة اللهجة, غير أن الكيان الصهيوني لا يلقي بالا لهذه النوعية من البيانات التي اعتاد عليها منذ أن تكرس احتلاله للأراضي العربية, وإذا أجرى المرء مقارنات بين ما تضمنته البيانات في حوادث الحرق والقتل السابقة, مع حالة حرق الطفل محمد علي دوابشة فلن يرصد كبير فرق, ربما في بعض المفردات لكن المضمون واحد, لا يثمن ولا يغني من جوع, والجوع هنا لحرية فلسطين وإنقاذ شعبها من أسوأ أشكال الاحتلال في التاريخ الإنساني, وأشدها بشعة وتطرفا ورداءة في السلوك مع الشعب المحتل. ولا تتوقف ممارسات الكيان عند حرق البشر فحسب ولكنها تمتد إلى الحجر أيضا فقد تم- وفق بيان لقطاع فلسطين والأراضي المحتلة بالجامعة العربية الذي يشرف عليه السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة - حرق كنيسة "الطابغة" القديمة الشهيرة والعديد من المنازل, ودور العبادة الإسلامية والمسيحية والكتب الدينية، وتُعلِن مجموعات مسئوليتها وتضع شعاراتها وتفتخر بهذه الأعمال الإجرامية, هادفة من هذه إلى ترويع المواطنين وتدمير ممتلكاتهم وصولاً إلى تهجيرهم قسراً, في عملية تطهير عرقي متكاملة، وقد بدأ هذا النهج وهذا الفكر, منذ أن تمت مجزرة دير ياسين في ٩ إبريل عام ١٩٤٨، وفور وقوع مثل هذه الجرائم المتكررة والعديدة يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي ليستنكر ويؤكد أنه يقوم بإجراء التحقيق اللازم، ولم يصل أي من هذه التحقيقات إلى نتائج، وتدعي السلطات الإسرائيلية في كثير من الأحيان أنها لم تتوصل إلى الفاعل, متناسية أنها الفاعل الرئيس والأساس. لقد قدم الفلسطينيون التنازل تلو التنازل ودعمهم العرب للأسف في هذه التنازلات, ظنا منهم أن ذلك قد يدفع قادة قطعان بني صهيون إلى التراجع عن الاحتلال والتناغم مع طروحات دولية قابلها العرب برضا, ضمن ما يسمى بصيغة حل الدولتين والتي صارت من أدبيات الرؤية السياسية في التعاطي مع الملف الفلسطيني, بيد أن هؤلاء القادة مدعومون من الإدارة الأمريكية لم يقدموا مقابل ذلك أي تنازل, ظلوا متمسكين بالأرض التي زرعوها بالمستوطنات التي تشكل الآن حزاما خطيرا في الضفة الغربية والقدس المحتلة, دون أن يتجاوبوا مع أي طرح بوقف هذا التمدد الاستيطاني والاستعماري. إن أضعف الإيمان يتمثل فيما طالبت به الجامعة العربية أمس الأول, بدعوة الأمم المتحدة بتشكيل لجنة للقيام فوراً بزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة ,والتحقيق المحايد والشفاف في جريمة حرق الطفل محمد على دوابشة البشعة, وتحديد المسئولين عنها وتقديم تقريرها إلى الأمين العام للمنظمة الدولية "بان كي مون" ومجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات الرادعة والكفيلة بحماية الشعب الفلسطيني، ومساءلة المجرمين فضلا عن مطالبة جميع المؤسسات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان, والطفولة والقانون والمنظمات الأهلية, بإرسال وفود إلى الأراضي الفلسطينية للوقف الفوري لهذه الجرائم التي تتم ضد حقوق الإنسان وحق تقرير المصير, وأن تضع على قوائم الإرهاب الدولي كل المؤسسات التي تعمل من خلال هذا الفكر الإرهابي المتطرف, والتي تُمارس هذا النهج الخطير في الأراضي الفلسطينية المحتلة لتوفير حماية للشعب الفلسطيني من هذا العدوان المستمر. إن ذلك أضعف الإيمان الذي نطالب به في ظل حالة التفكك والتشرذم العربي الراهنة, والاضطرابات التي تطال الكثير من الدول العربية وتحد من قدرتها على الفعل المؤثر.