15 نوفمبر 2025

تسجيل

السعوديةُ بينَ سعودةِ الإسلامِ واحتقارِ المؤسساتِ

03 يوليو 2018

عندما يريدُ نظامٌ سياسيٌّ إخفاءَ الحقائقِ فإنه يغطيها بأكاذيبَ وادعاءاتٍ، لكنَّ القيادةَ السعوديةَ لا تفعلُ ذلك فحسبُ، وإنما تقومُ بإخفاءِ الحقائقِ المهمةِ بحقائقَ لا أهميةَ لها، وهو ما نلاحظه في عدةِ مستوياتٍ، أهمها:   1) سعودةُ الإسلامِ: منذُ قيامِ المملكةِ، سنة 1932م، كانَ الهاجسُ الأعظمُ لها هو ارتباطُ شرعيتها بالتزامها بالإسلامِ، مما يعني وجوبُ إقامةِ الشورى كسبيلٍ لاتخاذِ القراراتِ الداخليةِ والخارجيةِ، وهو ما يحدُّ من سلطةِ القيادةِ وهيمنتها، فكانَ الحلُّ هو تطويعُ الإسلامِ وتوجيهه وجهةً واحدةً تدورُ حولَ طاعةِ وليِّ الأمرِ الذي لا يعارضه إلا خارجيٌّ فاسقٌ كما كانت تقولُ المؤسسةُ الدينيةُ السعوديةُ. وبذلك، تمَّ عزلُ المجتمعِ السعوديِّ عن المدنية والتحضر، وصارَ بيئةً خصبةً للتطرف الذي استثمرته القيادةُ في دعمِ الولاياتِ المتحدةِ في أفغانستان وسواها، وهو ما صرحَ به وليُّ العهدِ السعوديُّ. ولكن الإنسانَ السعوديَّ الذي تعلمَ تعليماً رفيعاً في الغربِ بدأ يطالبُ بإصلاحاتٍ تتيحُ له دوراً في إدارةِ شؤونِ بلاده، مما دفعَ بالقيادةِ إلى تبني نموذجٍ ذي طابعٍ حضاريٍّ شكليٍّ هو النموذجُ الإماراتيُّ الذي ليس فيه إلا علمنةَ المجتمعِ سلوكياً وأخلاقياً فقط، من خلالِ إسلامٍ جديدٍ ذي روحٍ إماراتيةٍ خاليةٍ من مشاعرِ الأخوةِ الإسلاميةِ، ومعاديةٍ للعروبةِ، ورافضةٍ للإصلاحاتِ الحقيقيةِ التي يطالبُ بها المواطنونَ، فتمَّ استخدامُ العلماءِ والدعاةِ كأدواتٍ لخدمةِ توجهاتِ القيادةِ، كما لاحظنا في حملاتهم باسمِ الدينِ ضد بلادنا، قيادةً وشعباً، وضد الفلسطينيينَ واليمنيينَ والليبيينَ وكلِّ الذين يرفضونَ دوراً سعودياً إماراتياً في بلادهم. إذن، التغييراتُ التي تشهدها المملكةُ حقيقةٌ مؤكدةٌ، لكن الحقيقةَ الأهمَّ هي أنها تغييراتٌ لا وجودَ لإصلاحاتٍ فيها.   2) تقزيمُ وتشويهُ صورةِ العلماءِ: من الحقائقِ أنَّ القيادةَ السعوديةَ لم تزلْ بحاجةٍ لعلماءَ يبررونَ لها سياساتها الداخليةَ والخارجيةَ، لكنَّ الحقيقةَ الأهمَّ هي أنها تعملُ على تقزيمِ دورهم وتأثيرهم، وتشويهِ صورتهم بإظهارهم كطلابِ دنيا لا تعنيهم قضايا المسلمينَ. فبدلاً من انشغالِ الشيخِ عادل الكلباني بدماءِ وأعراضِ عشراتِ آلافِ المسلمينَ الفارينَ من مدنهم وقراهم في جنوبيِّ سوريا خوفاً من الذبحِ وانتهاكِ الأعراضِ على أيدي قطعانِ جيشِ النظامِ الأسديِّ وحلفائه، نجده ينشغلُ بمهاجمةَ قناةِ بي إن سبورت، ولا يجرؤ على القولِ إنَّ قيامَ بلاده بقرصنتها هو حرامٌ صريحٌ يرفضه الإسلامُ. وبدلاً من قيامِ الشيخِ عايض القرني بالدعوةِ لنصرةِ القدسِ والأقصى، يخرجُ علينا بأذكارِ الصباحِ والمساء، أو يتحدثُ عن الفوائدِ الصحيةِ للمشي. أما الشيخُ السديس، فلم يجرؤ على مجردِ الدعاءِ بإصلاحِ الحالِ بين بلادنا ودولِ الحصارِ عندما طالبه بذلك مواطنٌ سويسريٌّ مسلمٌ من أصولٍ جزائريةٍ بعد محاضرةٍ للشيخِ في جنيف عن الأمنِ في الإسلامِ. هؤلاءِ الشيوخ، وكثيرونَ من أمثالهم في السعودية، كنا نخافُ أنْ نذكرهم بسوءٍ في أنفسنا لأننا كنا نصدقُ بكاءهم على دماءِ المسلمينَ، وحماستهم في الدعوةِ لنبذِ الخلافاتِ وتوحيد الصفوفِ. وعندما اختبرهم الله تعالى خلالَ السنةِ الماضيةِ وجدناهم أقلَّ ثباتاً واستعداداً للتضحيةِ في سبيل قولِ كلمةِ الحقِّ، فخسروا مكانتهم في النفوس، وخسرتِ السعوديةُ تأثيرها الدينيَّ في قلوب العربِ والمسلمينَ الذي كان مصدرَ قوتها الحقيقيةِ في الدنيا.   3) احتقارُ المؤسساتِ: من الحقائقِ أنَّ في السعوديةِ وزارةً للخارجيةِ، لكنَّ الحقيقةَ الأهمَّ أنها أصبحتْ بلا دورٍ. فلا أحدَ يبالي بتصريحاتِ عادل الجبير، لأنَّ الجميعَ يعلمونَ أنه مجردُ موظفٍ تابعٍ لسعود القحطاني وتركي آل الشيخ اللذين هما الناطقانِ الفعليانِ بالتوجهاتِ الخارجيةِ للمملكةِ. والمشكلة في هذينِ الشخصينِ أنهما مبتذلانِ، سوقيانِ، لا يتمتعانِ بأدنى درجةٍ من اللباقةِ والثقافةِ والأدبِ وسواها من صفاتٍ ينبغي أن يتمتعَ بها الأشخاصُ العاملونَ بالديوانِ الملكيِّ، والمقربونَ من وليِّ العهدِ. إنَّ وجودهما يسيءُ للمملكةِ وشعبها، ويبعثُ العداءَ لها في نفوسِ العربِ والمسلمينَ الذين لم يسلموا من تصريحاتهما وتغريداتهما المبتذلةِ.  كلمة أخيرة: من أسهلِ الأمورِ أنْ تخرجَ دولةٌ من التاريخِ، لكن المستحيلَ هو عودتها إليه بنفسِ المكانةِ والتأثيرِ.