15 نوفمبر 2025

تسجيل

" لستُ أدري!"

03 يوليو 2012

بين حينٍ وحين، تُجبرنا الأشواق الدفينة أن نلتقى بالأحبة رغم المشاغل، فنلتقى بالفتيات اللاتى أصبحن اليوم "حريم".. "كبرنا".. نجلس فى بقعة معينة حيث تتكفل إحداهن بالانتقاء المكانى ووصفه، والتحديد الزمانى لنلتقي، وتبدأ دائرة الحديث.. بعد السلام وكلمات الأشواق الفَتاتِية "وحشتونى بنااات" و"اشتقنا يختى " ونحو ذلك.. تبدأ كل فتاة بإلقاء ما فى جعبتها على الطاولة المستديرة. فتبدأ الأولى بوصف أحد الأعراس التى كانت فيه العروس "شيفه" والمعرس "توم كروز"، وهى متحسرة ومعتصرة رغم أنها متزوجة من رجل وسيم، فالتحسر على ماذا؟ لستُ أدري! وتبدأ الفتاة الأُخرى بالحديث عن ماركة جديدة فتصفها بعمق وطول وعرض، بل وبحبٍ وشغفٍ وولع، وكم أنها شعرت بأناقة ورقّة عندما اقتنتها، أشعرتنى حينها أنهُ لو كانت هذه الماركة رجلا لتزوجته. رغم جمالها وأناقتها دون الخوض فى بحار الماركات الغريبة. فلماذا البطرُ المجنون؟ لستُ أدري؟ تقطعها الأُخرى لتتكلم عن الحمية المُتعبة "الرجيم" فتبين معاناتها وكيف ابتدت وكيف انتهت وكيف تنفست وكيف كادت أن تتوفى، مع ذلك كُله فهى صامدة تنتقل من حمية لأخرى ومن نادٍ رياضى لاخر رغم تناسق جسمها الشديد، فلماذا العناء والقرب من الوفاة؟ لستُ أدري! وهكذا تجرى رياحُ الأحاديث الفَتاتِية، بما لا تشتهى السفنُ المنطقية وبما لا ينمُ عن عقلها وثقافتها، لتخالف القول فى تلك اللحظة فقط: "كل إناء بما فيه ينضحُ". فاللقاءات الفتاتية أحيانا تجرنا لتيارات هوائية لا تُعين السفن على المضي، بل تزيدها عرقلة وتجبرها أن تحيد عن المسار والوجهة المقصودة. تُخبرنى إحدى الزميلات أن أحد الشباب أرادَ أن يتقدم لإحدى الفتيات، ووضع من شروطه أن لا تكون هذه الفتاة من "طخة الماركات المجنونة". لم يكن هذا الشاب فقيرا أو بخيلا ليشترط مثل تلك الشروط، بل كان حكيما ثقيل الرأس بعقله، وتقيا رحب الصدر بورعه. لن يمنعها من شراء الماركات، بل يُحزنهُ أن يكون هذا الأمر هوسَ زوجته ومحورَ فكرها وغايةَ أهدافها وأقصى أمنياتها، بل هو يتمنى أن تكون نصفهُ الآخر من المدركين للآية القرآنية "ثم لتُسألُنَّ يومئذ عن النعيم". المُضحك فى الأمر أن والدته اختارت له فتاة أرضها وسماؤها وهواؤها الماركات، وعندما هَمّوا بالسؤال عنها وعن أصلها وأخلاقها وتفاصيل أخرى، جعلها الناسُ كما يريد تماما بل أفضل مما يتمنى؟ لماذا؟ لستُ أدري؟ تزوجها بعد دندنةٍ وطقطقةٍ وبهرجةٍ طويلة، ليطلّقها بعد شهرين من انتهاء عسلهما الذى كان أساسا أقربَ للبصل منه للعسل. لأنها تزوجت وليس لديها أى استعداد لتغيير نفسها، وهو تزوج إنسانة توقعها شرقا فإذا بها غربٌ. ويسألون لماذا نسب الطلاق فى تزايد؟ لا تسألوني. فلستُ ادري! "نرجع لمحور حديثنا"، لعلى بهذه السطور لا أُعيب شراء الماركات، لكنى أنتقد الادمان الشديد، بل ويؤسفنى أن يتحول الموضوع إلى محور موضوعي، وأهداف حياتية وغايات يتم تحقيقها بطرق مضحكة وديون لا داعى لها. وفى قراءاتى الأخيرة لم استغرب من حياة أثرياء العالم البسيطة، فهم لا يبحثون عن الكماليات، لا يلبسون الماركات، ولا يعيشون فى بيوت فاخرة، وليست لديهم طيارة خاصة.. وهم يملكون المليارات ويتصدقون بأطنان من الأموال. هم لا يحاولون إثبات أن لديهم المال بذلك المظهر أو بتلك الهيئة. بل وهم موقنون أن ذلك لن يزيد من مكانتهم ولن يضيف إلى إنتاجاتهم.. بل وأكثر من ذلك، فإنهم يعرفون تماما عقلية أصحاب الماركات ومصمميها، الذين يُعتبر هدفهم الأول والثانى والأخير جلب المال. وأنا اكتب هذه السطور تراودنى ماركة معينة — لن أذكرها — أتمنى اقتناءها لكنى لن أفعل. لماذا؟ لستُ أدري؟ عفوا بل أدري، لأنى أعلم أنها لا تستحق قيمتها رغم جمال رونقها، فقررت أن اشترى ما يشابهها بسعرها الملائم، وأمنح الباقى لبعض المحتاجين. اللهم تقبل.