11 نوفمبر 2025

تسجيل

من الذي يخاف تضامن الأمة الإسلامية؟

03 يونيو 2022

عديد المثقفين العرب المنحرفين عن هوياتهم بسبب تمسكهم بثقافة مستعمرهم القديم ما يزالون كلما ذكرت عبارة (التضامن الإسلامي) أو(التعاون الإسلامي) أومصطلح الخلافة الإسلامية يتهكمون على الناطق بهذه المعاني ويقزمونه كأنه استفز "علمانيتهم" وأراد إخراجهم من "جنة الحداثة"! حتى أنه أصبح من ميزة "السياسي العربي المعاصر" أن يكون ببغاء لأطروحات المستعمرين الجدد (معيدي الأمبراطوريات الاستعمارية) يكرر حججهم ويعيد تكرير براهينهم التي تدين تاريخ الوحدة الإسلامية وخلافاتها منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى بني أمية وبني العباس وصولا إلى العثمانيين وتصنف كل من يذكرها بخير من بين المنبوذين ودعاة التطرف بل حتى الإرهاب! وهؤلاء إما يجهلون التاريخ أو يتجاهلونه بأمر أسيادهم وينخرطون في نفس مخططات (العولمة المدلسة) أي التي يصوغها الغرب المسيحي بأذرعه العنصرية وأعوانه الإسرائيليين والمحافظين الجدد (نماذج برنار لويس وجيل كيبيل وكوشنير عراب صفقة العار). أقول عولمة مدلسة لأن هذه العولمة هي غربية حمالة قيم المسيحية اليهودية أساسا بقدمها الغرب لما في صورة قيم كونية (لخصوها في معاهدة سيداو التي وقعتها أيضا بعض الحكومات المسلمة !) وهكذا نشأ جيل كامل من النخبة (الأحرى النكبة) العربية تشيطن وتلعن من يؤمن بتوحيد جهود المسلمين وتكامل اقتصادهم وتنسيق تجارتهم عملا بالآية الكريمة (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ سورة الأنبياء الأية 92 ). نعم هم جهلة وضالون يضلون الناس ولعلهم لا يعرفون أن أول من نادى بتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1966 هوالعلماني الزعيم الحبيب بورقيبة حين استقبل في تونس الملك الصالح الراحل فيصل بن عبدالعزيز، وكان يجمع بين الرجلين استهداف المرحوم جمال عبدالناصر لهما، لأن رئيس مصر كان يريد نفسه "زعيم القومية العربية" وقسم الأنظمة العربية إلى تقدمية ورجعية وجعل من جامعة الدول العربية (ومقرها مصر) إدارة تابعة لوزارة الخارجية المصرية وذراعا لتبرير حربه في اليمن بدعوى أن ما يسميهم الأنظمة الرجعية هي عميلة الاستعمار والأمريكان (دول الخليج والأردن والمغرب وتونس...)، بل وفي نفس السنة 1966 ويوم 28 أغسطس قتل عبدالناصر الشهيد سيد قطب ورمى في السجون قيادات الإخوان المسلمين، بينما يوثق التاريخ الأمين أنه لولا تأييد مرشدهم الهضيبي للانقلاب يوم 23 يوليو 52 لما استولى الضباط على الحكم ! وعشت شخصيا خفايا زيارة الملك فيصل إلى تونس واتفاق الرجلين في القيروان على مقارعة التوجه الناصري الشعبوي بمنافسته بمنظمة إسلامية تقاوم التوجه القومي العربي المنحرف. وبالفعل تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي وتجسدت خاصة بعد جريمة إحراق المسجد الأقصى عام 69 واختير المرحوم الدبلوماسي التونسي المتميز الحبيب الشطي أمينا عاما لها واستقرت في مدينة جدة بعدد من الدول المسلمة أعضاء. كان بورقيبة زعيما براغماتيا لا يؤمن بما يسمى الدولة الإسلامية رغم أنه أثناء مرحلة الكفاح الوطني من 1933 الى 1955 كان يجند التوانسة بشعارات إسلامية ضد من كان يسميهم المحتلين النصارى، بل وصل إلى حد تزعم حركة مقاومة التجنيس 1933 لمنع دفن المتجنسين في مقابر المسلمين اعتمادا على الآية القرآنية التي ذكره بها الشيخ إدريس مفتي مدينة بنزرت:" ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وهنا التقت رؤية بورقيبة العلماني مع رؤية الملك فيصل حامي حمى الحرمين في اعتماد الوحدة الإسلامية لا في شكل خلافة، بل في نظام أخلاقي مستمد من روح الشريعة ولا يرضى بالتفرقة القومية (عرب أتراك فرس أفغان إلخ...)، ومن ذلك كان بورقيبة كما قاله لي شخصيا يقرأ ما كتبه عام 1953 الشيخ محمد بشير الإبراهيمي أحد أبرز علماء المسلمين الجزائريين ووالد صديقنا في المنافي د.أحمد طالب الإبراهيمي وزير التربية ثم الثقافة في الجزائر سابقا والشيخ البشير هورفيق درب وكفاح الشيخ عبدالحميد ابن باديس صاحب قصيدة (شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب). ومن بحوث الشيخ الإبراهيمي بحث بعنوان (دولة القرآن) جاء فيه بالخصوص: "ما أضاع المسلمين ومزَّق جامعتهم ونزل بهم إلى هذا الدرك من الهوان إلَّا بُعدهم عن هداية القرآن وجعلهم إياه عِضِين وعدم تحكيمهم له في أهواء النفوس ليكفكف منها وفي مزالق الآراء ليأخذ بيدهم إلى صوابها وفي نواجم الفتن ليُجلي غماءها وفي معترك الشهوات ليكسر شِرَّتها وفي مفارق سُبل الحياة ليهدي إلى أقومها وفي أسواق المصالح والمفاسد ليميِّز هذه من تلك، وفي مجامع العقائد ليميِّز حقَّها من باطلها، وفي شعب الأحكام ليقطع فيها بفصل الخطاب وإنَّ ذلك كلَّه لموجود في القرآن بالنصِّ أوبالظاهر أوبالإشارة والاقتضاء، مع مزيد تَعجِز عنه عقول البشر مهما ارتقت وهو تعقيب كلِّ حُكم بحكمة وكلِّ أمر بما يُثبِّته في النفس وكلِّ نهي بما يُنفِّر عنه، لأنَّ القرآن كلام خالق النفوس، وعالم ما تكنُّ وما تُبدي ومركِّب الطبائع وعالم ما يصلح وما يفسد وبارئ الإنسان وسطاً بين عالمين." (انتهى كلام الشيخ البشير). والجاهلون العرب بحقيقة تشكل العالم اليوم لم يدركوا بعد أن المفكر الأمريكي من الديانة اليهودية (صامويل هنتنغتون) في نظريته الشهيرة (صدام الحضارات التي كانت بحثا في مجلة فورين بوليسي عام 1992 ثم حولها إلى كتاب ترجم إلى أغلب اللغات) قسم العالم إلى "خلافات دينية" ترتكز أساسا على العقائد تستلهم قوتها المادية والعسكرية والاقتصادية من تشبعها بروحانية أديانها وهي الاتحاد الأوروبي الذي هوخلافة كاتوليكية والولايات المتحدة التي هي خلافة بروتستنتية وروسيا التي هي خلافة أورثودكسية والصين التي هي خلافة كنفوشية وشبه القارة الهندية التي هي خلافة هندوسية وينتهي كتاب (صدام الحضارات) إلى أن العدو المخيف لهاته الخلافات هوالخلافة الإسلامية عندما تستيقظ أمتها التي هي أم الخلافات منذ فجرالإسلام.