17 نوفمبر 2025

تسجيل

الإخوان في مواجهة الجميع

03 أبريل 2012

لا جدال في أن ما قامت به جماعة الإخوان المسلمين فى الأيام الماضية من تراجع عن تعهدها بعدم الدفع بمرشح للرئاسة يعصف على نحو كامل بالشعار الذي رفعته الجماعة منذ بداية المرحلة الانتقالية "مشاركة لا مغالبة"، ويضعها في مواجهة مع معظم قطاعات الشعب المصري. فقد أدى هذا التراجع بالإخوان إلى الظهور بمظهر الجماعة التي تستخدم بنيتها التنظيمية المحكمة وقدرتها على الحشد الآلي لأصوات أتباعها للاستحواذ على قمة هرم السلطة وذلك بغرض فرض الوصاية الكاملة على الشعب المصري الذي تظنه بعض قيادات الإخوان غير قادر أو مؤهل على أن يختار خارج ما تقدمه الجماعة له من بدائل. وبناء على هذا التفكير الوصائي فقد قررت الجماعة أن تتدخل في اللحظات شبه النهائية للدفع بمرشحها للرئاسة، لتقلب الطاولة على الجميع ولسان حالها يقول للمصريين بأنه لا فائدة فيما بذلتم فيه أوقاتكم وجهودكم من المفاضلة بين المرشحين، فقد نزلت بمرشحي للحصول على المنصب، أيا كانت قناعتكم أو أراءكم بشأن من يستحقه. المسكوت عنه فيما قامت به الجماعة هو أنها ترى أنها أحق من الجميع بتحديد مصلحة الوطن وأقدر من الجميع على إنقاذ الثورة والحفاظ عليها، غير أنه ثمة فارق بين إنقاذ الثورة وإنقاذ الثورة عن طريق الإخوان فقط، فلو كان صحيحا أن الإخوان قد اضطروا إلى الدفع بمرشحهم لهذا الهدف، فما كان أسهل أن يقوموا بذلك من خلال دعم واحد من المرشحين الموجودين بالفعل، خاصة وأن أحدهم كان محسوبا على الجماعة (عبد المنعم أبو الفتوح) وتم فصله من صفوفها لمجرد أنه قام بنفس الخطوة التي تقوم بها الجماعة الآن من الترشح لمنصب الرئاسة. وأيا كان الأمر فإن تراجع الإخوان عن موقفهم بعدم الترشح مدان في جميع الأحوال، فإذا كان ما ألزمت به الجماعة نفسها فى السابق قرارا خاطئا فإن هذا يثير تساؤلات حول عجز جماعة —لها هذا الوزن وهذه الخبرة الطويلة—عن اتخاذ المواقف المبدئية المناسبة، وكذا حول عدم قدرتها على قراءة المشهد السياسي وفق منظور مركب يراعي تطور الأحداث ويعول فقط على اللحظة الراهنة في تقييم المواقف، أما إذا كان القرار بعدم الترشح سليما ومع ذلك تم التراجع عنه، فإن هذا بدوره يثير علامات استفهام عدة حول مدي قدرة الجماعة على الالتزام بما تقطعه على نفسها من تعهدات وكذا حول مصداقيتها في التمسك بما ترى، أو بما كانت ترى، أنه في مصلحة الوطن. أما بخصوص المشاكل العملية التي ستترتب على هذا التراجع فتضم قائمة طويلة من السلبيات من أبرزها أن هذا القرار سيقصر التأييد الذي ستحظى به الجماعة في انتخابات الرئاسة المنتظرة على أعضائها فقط، وسيكشف العدد الحقيقي لأنصارها في الشارع المصري، الأمر الذي يتوقع أن يفقدها قدرا كبيرا من صيتها الذي كانت تتمتع به فى السابق، حينما كان التصويت لصالحها يتداخل مع التصويت لصالح المشروع الإسلامي بشكل عام، وحين كان كثير من الناخبين غير المنتمين للجماعة يصوتون لصالحها تشجيعا للفكرة الإسلامية التي اعتاد المصريون على تصورها موحدة ومتجانسة. قرار الجماعة الدفع بمرشح رئاسي في هذا التوقيت الذي حسم فيه معظم المصريين خياراتهم على نحو شبه نهائي فى إطار المطروح من المرشحين، سوف يولد إذن حالة من التصويت العقابي ضد الجماعة وضد مرشحها من قبل الناخبين الذين يرفضون ما يبدو أنه إحساس بالزهو التنظيمي للجماعة. القرار الإخواني سوف يترك أيضا آثارا سلبية لدى قطاعات كبيرة من المصريين ممن سيساورهم القلق من أن يمثل التراجع عن الوعود والتحلل من الالتزامات تحت ضغط "الظروف" دأب الجماعة فيما ستأخذه على نفسها من تعهدات في المستقبل، سواء إزاء الناخبين أو إزاء العملية السياسية التي أتت بالإخوان إلى الحكم. فحال نجاحها فى الاستئثار بهذا المنصب فإن الـ"ظروف" قد تدفع الجماعة إلى التفكير في تغيير الدستور لصالح التمديد لرئيس الجمهورية لفترات غير محدودة، أما حال الفشل فى الانتخابات الرئاسية فإن "الظروف" قد تدفعهم إلى التحول صوب النمط البرلماني لضمان السيطرة على مقاليد الحكم من خلال الأغلبية البرلمانية، بل إن "الظروف" قد تدفع الجماعة والحزب المنبثق عنها إلى أن تضيق يوما ما بالمعارضة الموجهة لأدائها، ومن ثم يضطران إلى العودة إلى نفس سياسات النظام القديم فيما يتعلق باستبعاد الخصوم أو تهميشهم أو التضييق عليهم. هذه الشكوك من الطبيعي أن تشحن كثيرا من المصريين معنويا ضد الجماعة، خاصة وهم يرونها تحاول الاستحواذ على المزيد من السلطات، لا عن كفاءة لا تجد لها متنفسا فيما هو تحت يدها من مقدرات (البرلمان)، وإنما فقط استنادا إلى كتلة تصويتية مضمونة من المنتمين تنظيميا لها، ممن لن يجدوا صعوبة في تطويع وجهات نظرهم وقناعاتهم وفق بوصلة الجماعة وليس وفق بوصلة المنطق أو التفكير المستقل. وما قلق الكثيرين من قرار الإخوان المتأخر إلا لعلمهم بطبيعة هذا الكتلة الملتزمة بقرار الجماعة من دون أن تعمل العقل فيه أو التي تعمل العقل فقط من أجل البحث عن تبريرات لما اتخذته قيادتها من قرارات. ويبقى السؤال هو: هل التراجع عن المواقف المبدئية وعدم الاكتراث برأى الشارع هو ما يريد الإخوان أن يقدموه للمصريين وللعالم كنموذج للممارسة السياسية المنطلقة من مرجعية إسلامية، وهل يمكن أن يتم الوثوق مستقبلاً بأى تعهد يقطعه الإخوان على أنفسهم في إطار هذه السابقة القادحة فى المصداقية؟ الأمر المؤكد أنه حتى لو فاز مرشح الإخوان بمقعد الرئاسة فإن تكلفة ذلك ستكون فقدانهم جزء كبير من ثقة المصريين بهم، فما جدوى قرار تكون نتيجته تآكل مصداقية الجماعة لدي القاعدة الشعبية اللازمة لاستمرارها في الحكم؟ لا شك أن الأيام المقبلة سوف تجبر الإخوان وحزبهم السياسي على تقديم إجابات قد لا تكون مريحة عن هذه الأسئلة.