05 نوفمبر 2025
تسجيللقد أصبح من الملح إيجاد أسس التغيير البنيوي المطلوب في منظومة المفاهيم والأفكار المتداولة في الدولة وفي القطاع الخاص، فالتركيز والاستثمار مالا ووقتا في محاولة لتقليد الدول الأخرى، ذات الطبيعة السكانية والإرث الصناعي والإمكانيات والخبرات التي تحققت خلال العقود الماضية والتشابك الصناعي والكوادر المدربة والماركات العالمية والبنية التحتية الداخلية والخارجية الممكنة للتصدير، أو اتباع إستراتيجيات تعتبر مجربة، لكنها قد لا تناسبنا لا من ناحية سعة السوق، والتي تحقق وفورات الحجم الكبير أو من ناحية توفر أسباب النجاح، ودون الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الأساسية للاقتصاد المحلي، بل إنها قد تصبح عائقا في تطوير وتنمية الاقتصاد الوطني.فمن خلال تجربتي الشخصية ومتابعتي لتجارب الكثير من المواطنين والمقيمين في محاولاتهم لإنشاء شركات خفيفة ومتوسطة والمصاعب التي تواجههم، فقد توصلت لقناعة مفادها أن بنية اقتصادنا المحلي لا تسمح بنجاح الشركات الصغيرة التي تركز على الصناعة الخفيفة والمتوسطة، نظرا لعوامل عديدة منها قلة عدد السكان وضيق السوق وهذا يعني عدم القدرة على تحقيق أهم عنصر وهو وفورات الحجم الكبير، التي تسمح بخفض التكلفة ورفع القدرة التنافسية، هذا بالإضافة إلى غياب التشابك الصناعي الذي يوفر مدخلات الصناعة، وكذلك البنية التحتية ليست المادية فحسب بل من كوادر وخبرات ونظم، وحتى غياب ثقافة الصناعة التي تسمح للعاملين في القطاع الإيمان بإمكانية نجاح مشاريعهم، وبالتالي تجدهم يغادرون عند أول تعثر أو تحد نظرا لغياب هذه الثقافة والإيمان بضرورة النجاح والصبر عليه، كما يعتبر عدم قدرة القطاع الخاص على كسب ثقة القطاع العام وضعف قنوات الاتصال بينهما من العوامل التي تحد من فرص النجاح لأنه يؤدي لتجاهل المنتج المحلي وتفضيل المنتج الخارجي، وبالتالي فإن عدم وجود مؤسسات داعمة للمنتج المحلي مثل غرفة التجارة مع وجود النية الصادقة في الدعم، ولكن شح المبادرات وغياب البرامج فاقم مشكلة الصناعات الصغيرة. وهنا لا يفوتني أن أؤكد أن التجربة أثبتت عدم جدوائية هذا النوع من الصناعات في ظل واقع اقتصادنا الوطني، حيث إنه لو كان هذا النوع من الصناعات له مردود ومساهمة فعلية في عملية التنمية ما كانت الصناعة مجرد إدارة تابعة لوزارة الطاقة، وبالتالي فإن عدم تقييم مخاطر هذا النوع من الصناعات الصغيرة والمتوسطة، همش دور هذا النوع من الصناعات ودفع الكثير من هذه الشركات للإفلاس، كنت شاهدا على كثير من هذه التجارب، وبالتالي فإن السؤال الذي يجب أن نطرحه ونجيب عليه في ظل مناخ المنافسة في الصناعات الخفيفة والمتوسطة، هل نحن في قطر في وارد إقامة صناعات صغيرة ومتوسطة قادرة على منافسة الصين أو الهند أو أمريكا أو تركيا والسعودية، والجواب بالتأكيد هو لا، لأننا لا نملك ميزات تنافسية في هذا القطاع، وبعد تجاوز الكثير من الاقتصادات مرحلة التصنيع إلى اقتصاد الخدمات والعمل من أجل تجاوز ذلك إلى اقتصاد المعرفة، لا زلنا نجاهد من أجل الاقتصاد الصناعي، في الوقت الذي تخلت فيه أشهر الاقتصادات الصناعية وهي بريطانيا، وباعت صناعاتها للهند وأمريكا وألمانيا، فإن كانت بلدان التصنيع لا ترى لها دورا ولا ميزه تمكنها من الاستمرار مع مدى شهرة علاماتها التجارية مثل رولز رويس وغيرها، ما هو دورنا وما هي الميزة التنافسية التي نعتمدها وما هي القيمة المضافة التي نقدمها للسوق، معظم دول العالم تنتقل من الاقتصاد الصناعي للخدمي وبعده لاقتصاد المعرفة، لذلك لابد من تحديد الميزة التنافسية التي نملكها ورسم معالم اقتصادنا على أساسها.. يتبع في المقال القادم.