05 نوفمبر 2025

تسجيل

توماس فريدمان: خريطة العالم الجديدة تتشكل حول البيئة

02 نوفمبر 2021

المناخ، المناخ، المناخ.. هذاهوالهم الأكبر المطروح أمام قمة العشرين في روما، لأن قادة العالم أدركوا أن الحرائق والفيضانات والانحباس الحراري تمثل الخطر الأعظم، وفي نفس التوقيت ألقى حضرة صاحب السمو أمير قطر حفظه الله، خطابه في افتتاح أعمال مجلس الشورى، ليؤكد أن حماية البيئة هي من الأولويات في مخططات الدولة. وعلى هذه الخلفية نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا متميزا للإعلامي الأمريكي المفكر توماس فريدمان وترجمته "عربي21" بقلم أحد الزملاء الأفاضل وله الشكر حمل للقراء تحليلا ذكيا لرقعة الشطرنج شرق الأوسطية -كما يراها فريدمان- وهوالذي كتب عشرات المؤلفات حول تخصصه السياسي، أي الشرق الأوسط، منذ عقدين مما جعل مجلة (نيويورك تايمز) تتصدر وسائل الإعلام الأمريكية في استشراف مستقبل المنطقة بكل أبعادها الجيوستراتيجية والاقتصادية، بعد أن كانت أكبر قوة تحركها هي قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان برعاية دولة قطر، كأنما أراد بايدن إرسال رسالة للمنطقة تقول أنتم وحدكم إذا كنتم تبحثون عنا سنكون في مضيق تايوان! فقضيتنا الأساسية اليوم هي الصين! وأضاف فريدمان: "هناك عامل آخر يزيد من الضغوط على الولايات المتحدة يتمثل في موجات الحر والجفاف والضغوط الديموغرافية وانخفاض أسعار النفط على المدى الطويل وارتفاع حالات كورونا"، مشيرا بذلك إلى الأولوية التي اكتسبتها ملفات حماية البيئة في العالم عن الملفات العادية للتهديد الإيراني أوقضية الصراع الإسرائلي العربي. وأضاف فريدمان:" يمكنني أن أزعم أننا بصدد الانتقال من شرق أوسط شكلته قوى عظمى إلى شرق أوسط تشكله الطبيعة، وسيجبر هذا التحول كل قائد على التركيز أكثر على بناء المرونة البيئية لاكتساب الشرعية بدلا من اكتسابها من خلال مقاومة الأعداء القريبين والبعيدين، ونحن ما زلنا في بداية هذا التحول النموذجي من المقاومة إلى المرونة، حيث بدأت المنطقة تتغير أمام معضلات تزايد الحرارة واكتظاظ السكان والتعطش للمياه بدرجة لا تسمح لها بالحفاظ على نوعية الحياة العادية ". وعن قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان قال فريدمان "لقد كان على حق لأن الوجود الأمريكي في أفغانستان والضمانات الأمنية الضمنية في جميع أنحاء المنطقة يعملان على تحقيق الاستقرار، ووضع حد للاحتلال والمغامرات المتهورة والتدخلات الوحشية"، وقال: "إن دعمنا القوي للحلفاء التقليديين سواء كانوا يتصرفون بشكل سيء أوجيد، شجع هؤلاء على تجاوز قدرتهم دون خوف من العواقب، كما يحدث في المنطقة والأزمة الخليجية وتفاقم التدخلات في ليبيا والرفض الغبي للحكومة الأفغانية في عهد أشرف غني للحلول التفاوضية، وهي التي اضطرت في النهاية للتفاوض مع طالبان، كما أن توسيع إسرائيل المستوطنات في عمق الضفة الغربية يشكل تحديا للسلام". كان انسحاب الرئيس باراك أوباما من المنطقة ورفض الرئيس دونالد ترامب الانتقام من إيران علامات التحذير على أن أمريكا قد سئمت من التدخل والتحكيم في حروب الشرق الأوسط وجعل بايدن ذلك سياسة خارجية رسمية. واستشهد فريدمان بكتاب (مارتن إنديك) مبعوث الولايات المتحدة منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط والذي عنوانه "سيد اللعبة: هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط"، فقال: إن هذا الكتاب يدون تاريخا رائعا لكيفية استخدام أمريكا لمنطق السلام لتحل محل الاتحاد السوفييتي كقوة أجنبية مهيمنة في المنطقة: يقول (مارتن أنديك): "لن تنسحب أمريكا بالكامل لكنها تتراجع وجميع شركائها العرب السنة يعملون الآن لحماية أنفسهم ولتحقيق الاستقرار في المنطقة في عصر لن تكون فيه أمريكا مهيمنة هناك". لكن أمريكا "ستظل بحاجة لردع إيران إذا طورت قدرة نووية ونزع فتيل صراعات أخرى". ويستخلص فريدمان من كتاب (أنديك): "كنت أزعم أنه مثلما حللنا ذات يوم محل السوفييت بصفتهم القوة العظمى المهيمنة في المنطقة، فإن الطبيعة وحماية البيئة تحلان الآن محل أمريكا باعتبارها القوة المهيمنة والمحددة للسياسات والمواقف. وهنا لا بد أن نذكر بقمة روما للعشرين الكبار التي انعقدت يومي 29 و30 أكتوبر الحالي بحضور متميز للرئيس بايدن والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة والرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي أردوغان، وكان الملف الأكبر أمام قادة العشرين هوحماية البيئة والتنبيه إلى مخاطر التلوث والانحباس الحراري، وتمكن القادة من وضع خارطة طريق من اليوم إلى 2030 تلتزم بها كل دول العشرين، لأنها الدول الأكثر تلويثا للبيئة في العالم. أما في شرق أوسط الطبيعة والبيئة، فإن العالم لن يقيم قادته حسب طريقة حكمهم أومقدار مقاومة بعضهم البعض، ولكن من خلال نجاعة الآليات التي يقومون ببنائها لشعوبهم ودولهم في وقت يقوم فيه العالم بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وفي وقت تحظى فيه جميع الدول العربية الإسلامية بمجتمعات شابة تحت سن الثلاثين وفي وقت يتزايد فيه تغير المناخ خطرا على وجود الإنسان ذاته.. عموما نحن إزاء دبلوماسية بيئية جديدة تعوض الدبلوماسية التقليدية، وتدرك أن الأزمات الراهنة والقادمة هي أزمات نقص الماء والهجرات الكبرى المرتبطة بالجفاف أوبالجوائح العابرة للقارات وأن الحروب الأهلية أسبابها الأولى المناخ المتغير. [email protected]