07 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قراءة النصائح العامة واستقبالها، وكذا التوجيهات التربوية المطلقة في محيط التربية والاجتماع من منظور شخصي، وإسقاط نفسي فردي يحول دون الانتفاع بها، ويصد عن قبولها، وتسلك القراءة على هذا النحو بصاحبها طريق التبرير وتحفزه للانتصار للذات والدفاع عن النفس والهجوم على الناصح حتى وإن لم يكن قد ورد في خاطره حادثة فردية. وهذا السلوك المقاوم للنصيحة يدعو إلى نوع من الإحجام عن التصحيح والتقويم في مسيرتنا الاجتماعية والتربوية، ويجعلنا نتحسس كثيرا قبل أن ننطق بأي كلمة نعتقد صوابها وصدق توجهها، ويحول دون وضع الأيدي على مكامن الداء لنلتمس لها الدواء. وكان في القديم يطلب الإنسان النصح من صديقه، ولما عز هذا الأمر كان التوجيه النبوي العام "ما بال أقوام" هو الأنسب لتغير الزمان، ومراعاة النفوس التي لم تألف النصيحة، ولم تتعود على ممارستها.ما معنى ما ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يستحق التوجيه والتصحيح، صعد المنبر ووجه العام والخاص بقوله "ما بال أقوام" ليستفيد المجموع، والمقصود بالتوجيه معا، ويفهم التوجيه من كان يعي "إياك أعني فاسمعي يا جارة"؟ ما معنى ذلك إلا أن يكون هناك من يعرف نفسه تماما أنه المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وتوجيهه، فيستفيد به على النحو الذي يصحح به ما كان من نقص أو خلل، ويستفيد كذلك العامة، وكلنا صاحب ذنب، وكلنا صاحب خطأ.وقد تتبعت هدى النبي في التوجيه والإرشاد، وتربية أصحابه، وتصويب أخطائهم، وتصحيح مسالكهم، على طريقة "ما بال أقوام" فوجدت من ذلك كثيرا.جاء في شرح السنة للإمام البغوي أن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا".وروى البيهقي في شعب الإيمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ما يواجه رجلا بشيء يكرهه ولكن يقول:"ما بال أقوام يقولون كذا وكذا"؟. وفي صحيح ابن حبان ورد تصحيح للشروط في البيوع عن ابن عباس قال: اشترت عائشة بريرة من الأنصار لتعتقها، واشترطوا عليها أن تجعل لهم ولاءها، فشرطت ذلك، فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق" ثم صعد المنبر، فقال: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله". وفي رواية البخاري: "من اشترط شرطا ليس في كتاب الله، فليس له، وإن اشترط مائة مرة".وروى البخاري، من حديث أنس بن مالك في توجيه النبي للمصلين إلى كراهية رفع البصر إلى السماء في الصلاة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم"، فاشتد قوله في ذلك، حتى قال:"لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم". وروى البخاري عن عائشة في بيان رفقه بأمته وحرصه على التخفيف عليهم، قالت: صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فرخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب، فحمد الله، ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية".وروى مسلم عن أنس، أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".قال الإمام النووي معقبا على ذلك: هو موافق للمعروف من خطبه صلى الله عليه وسلم في مثل هذا، أنه إذا كره شيئا فخطب له ذكر كراهيته ولا يعين فاعله، وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم، فإن المقصود من ذلك الشخص وجميع الحاضرين وغيرهم ممن يبلغه ذلك ولا يحصل توبيخ صاحبه في الملأ. وروى أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "ما بال أقوام تقول: إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع يوم القيامة، والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإني - أيها الناس - فرط لكم على الحوض".وروى أحمد أيضا عن عروة بن الزبير في تصحيح الفهم الخاطئ للعامة بعد أن وجه صاحب الواقعة على نحو خاص، قال: سمعت أبا حميد الساعدي يقول: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن اللتبية على الصدقة، فلما جاء حاسبه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا لكم، وهذه هدية أهديت إلي. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك"، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قام فخطب، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، ما بال أقوام نوليهم أمورا مما ولانا الله، ونستعملهم على أمور مما ولاني الله، ثم يأتي أحدهم فيقول: هذا لكم، وهذه أهديت إلي، ألا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والذي نفس محمد بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا جاء يوم القيامة يحمله على عاتقه".وفي الاستفادة من طريقة النبي صلى الله عليه وسلم "ما بال أقوام" في التربية والتوجيه، روى البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الرحمن بن مطرف، قال: "كان الحسن بن حي إذا أراد أن ينصح أخا له كتبه في ألواح وناوله".وقد بشر الله تعالى صنفا من عباده بالجنة كما قال مقاتل في تفسيره ثم نعتهم فقال: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه". وقال شيخ المفسرين الطبري في نفس الآية: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فبشر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من القائلين، فيتبعون أرشده وأهداه، وأدله على توحيد الله، والعمل بطاعته.جعلنا الله وإياكم من هؤلاء المبشرين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.