06 نوفمبر 2025
تسجيلالحوثيون دخلوا مشروعا للاعتراض المحدود، زمانا ومكانا وكيفية، ثم وجدوا ساحة مفتوحة فقاموا يجرون فيها جريا، وها هم اليوم يجدون أنفسهم يسيطرون على العاصمة ومحافظات أخرى ويهينون القبيلة والخصوم وسيجدون أنفسهم قريبا أمام تحديات كثيرة وبين يدي دولة هالكة مبعثرة لا يستطيعون إدارتها. * الحكومة اليمنية تتنازعها الولاءات التفاصيلية بين الرئيس المطرود وأتباعه والثورة المضادة ومن يدعمهم في الإقليم وبين القوى التي قامت بالثورة.. ويبدو أنها غرقت كجيش وقوى أمن وقرار سياسي في الانحياز للطرف الأقوى أو الأكثر تعديا وتهديدا، بما أفقدها حتى الآن القرار والوجهة وجعلت اليمن كله (كدولة وثورة وقوى وشعب وقبائل) على فوهة الانفلات والحرب الأهلية والتفكك والتلاشي، لا قدر الله. * الحرب على الإخوان في اليمن هي امتداد لحرب على الإسلام السني في أكثر من محور سياسي وأمني في المنطقة.. ولكن ما يشهد للإخوان أنهم رغم عنف الاستقصاد ورغم قدرتهم ومبرراتهم لم ينزلقوا لصدامات وطنية وأنهم حافظوا على إستراتيجيتهم المعهودة (أشداء على الكفار رحماء بينهم)، فظلوا الوحيدين حتى الآن الذين لم يغامروا بكل شيء، والوحيدين الذين لم يدخلوا الطريق ذا الاتجاه الواحد والأوحد وإن قيل عنهم ما يقال. * العجيب أن العالم الذي يقف اليوم على قدم وساق ضد داعش بحجة اعتدائها على الدولة وإقليمها وتهديدها الآمنين والجوار، فيما الحوثي يفعل ذات الأمر وبنفس الآليات (طائفية واعتداءات مسلحة وفوق ذلك احتلال للعاصمة والقيادة والرئاسة، وتهديد كل المنطقة بتفجير طائفي) ثم لا ينبس هذا العالم ببنت شفة. * لكن الأكثر عجبا على الإطلاق هو أن طائفة من الإسلاميين الذين يسارعون – في العادة – لاتهام خصومهم بالخروج على الإمام وتسهل على ألسنهم ألفاظ التكفير وأوصاف التبديع والتشريك، والذين يعتبرون الحوثي كافرا - ولا نقرهم على التكفير – العجيب والغريب أنهم لا يزالون في قيلولة نوم من ضحى وفي وسن غفلة من ظهيرة ولا يزالون غائبين عن المشهد في الشكل والمضمون، وأنهم تحولت المبادئ عند كثيرين منهم لمصالح، ولأصغر من الحزب والجهة والرأي الشخصي والولاء للحاكم، فبيعت العقائد وتسوقت الأخلاق والوجاهات في مزادات السياسة ومعارض النخاسة، ورأينا كيف ينافق العالِم، وإلى أي حد قد تضيع الحقيقة. * الحوثي يحتل صنعاء ويدخل بيوتا آمنة ويعتدي على مقرات أحزاب الثورة ويقتل الناس ويقاتل الخصوم (داخل البيت اليمني) فيما يترك مقرات المؤتمر الشعبي العام التابع للرئيس المطرود علي عبد الله صالح الذي قاتلهم شهورا ودهورا وقتل منهم مئات وآلافا، والذي نهب البلاد وأذل العباد، والذي عليه قامت الثورة.. ثم يرفعون عقيرتهم يقولون: إنهم الثورة اليمنية، وفي حين يغلقون معسكرات الجيش والشوارع والطرقات ومقرات الدولة والوزارات تظل سفارات دول يصفونها (بالشيطان الأكبر) ويلعنونها ليل نهار.. مشرعة الأبواب آمنة كأنها تهزأ بشعار الحوثي وأسياده في طهران وقدواته في لبنان. * العجيب والغريب أن إيران ومشروعها السياسي والطائفي قد صار يحميه اليوم الأمريكان والغرب وعملاؤهم، صراحة وعيانا بيانا، ولن نستغرب إن أفقنا ذات صباح أو أمسينا ذات ليل على انضمام (إسرائيل) لهذا الحلف وعن جلاء لا استخفاء.. فقد دخلت المنطقة في مدى تغيرات حقيقية أساسها نجاح الإسلام السني في الوصول للحكم، وذلك حد كاف لدى أولئك وهؤلاء وآخرين من دونهم الله يعلمهم ليتوحدوا بمنطق (من كل قبيلة رجل حتى يتفرق دمه في القبائل). * الحوثيون كغيرهم من الطائفيين الشيعة الذين خدعتهم التسهيلات واحتوتهم برامج غيرهم، وظنوا أن الزمان قد ضحك لهم بعد ألف وأربعمائة عام.. ليسطروا ثأرا ظلوا ينتظرونه ويعملون له كل هذه القرون، لكنهم لا يفهمون أن ما أوصلهم لما وصلوه في اليمن ليس قوتهم الذاتية ولا انحياز الناس لأفكارهم وأيديولوجيته ولا حتى الدعم الإيراني.. ولكن لأنهم وضعوا أنفسهم في ملتقى مشروعين لا تخطئهما العين ويتعاوران ويتحالفان في المنطقة (المشروع الإيراني الفارسي الممتطي للتشيع، ومشروع ثورات النظم البائدة المضادة للثورات الشعبية).. آخر القول: ثمة سؤال برسم الإجابة للحوثي.. ماذا بعد أن تتبدل المصالح وترتبك الأولويات؟ وماذا بعد أن يعود كل لموقعه ويتراجع لحجمه أو دون حجمه؟ وماذا لو أن ثورة السنة لم تهزم في العراق وسوريا؟ وماذا لو أن الثورة المصرية وصلت مبتغاها؟ وهل سيكون الحوثي قد كسب أم خسر جراء تورطه في معاكسة السنن وغرقه في اللحظة الخاطئة؟