08 نوفمبر 2025
تسجيللم أكن أتوقع أن تتسعَ مساحة آثار الحصار الجائر على دولة قطر لتصلَ إلى قتل الطيور البريئة، والتي لم تكن تحمل أسرار الـ(C.I.A.)، ولا تسريبات (ويكيليكس) ولا ملفات (ووترغيت)! كل تهمة تلك الحمامة أنها تحمل رقمًا قطريًا يحفظها من الضياع ويُعيدها إلى دار الأمان. في مشهد دراماتيكي، قام أحدهم من دول الحصار بقطع رأس حمامة بيده، وتركها تنازع الروح بجناحيها دون رأس!؟ ولم يتضح هدف ذاك المجرم الذي قضى على روح بريئة، وبكل عجرفة وغضب واستشراس، سوى أنه تمتمَ بأنها قطرية!؟ أتعجب من منطق ذاك المخلوق الذي نسبَ الحمامة إلى قطر، رغم أنها من خلق الله، وقد تجوب الفلوات والسماوات، مع أنها مسجلة في قطر، ولماذا يحكم عليها بالإعدام على الطريقة (الهولاكية)، فهي لم تفجّر منزله، ولم تسرق راتبه، ولم تدسّ المخدرات في جيبه؟ قصة الحمامة هذه تعطينا فكرة ودليلًا على أن ما تم بثه بين أبناء الخليج سوف يطول؛ ولن يُسعفنا الزمن القصير في تجاوزه، وقد نحتاج عشرات السنين كي تبرأ النفوس مما داخَلها، نتيجة الشحن الإعلامي والتحريض على الكراهية ونبذ الآخر. وهي نتيجة حتمية للخطاب الديني المأزوم – الذي تم تغييره الآن في المملكة العربية السعودية- بتبديل مناهج الدين. ذاك الخطاب هو الذي أفرز مجموعات إرهابية لها أفكار ظلامية ضد الآخر، ولا ترى أمامها إلا الدم وسيلة لإثبات الذات أو الفوز بالجنة!؟ كان قاتل الحمامة القطرية نتاجَ ذاك الفكر المؤدلج، الذي (لا يرى في الوجود شيئًا جميلا)، ولا يرى أحقية أي إنسان أو أي كائن في العيش على هذا الكوكب!؟ وهو جزء من منظومة اتخذت الدين مطيةً لتحقيق أهداف خاصة، كما حدث في زواج "المجاهدين" في كل من أفغانستان والبوسنة من قاصرات!؟ وكذلك تغيّب الضمير لدى الشباب والزجّ بهم في "غزوات" القتل والتدمير، كما حدث في 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. وهو نفس الفكر الذي لا يُقر للآخر بإبداء رأيه، أو حتى التحاور حول قضية النقاش، وتلك هي مثلبة تصنيم "النص"!؟ واليوم يرتد ذاك الفكر الظلامي على أهله، حيث تنتشر الجريمة والعمليات الإرهابية، لأن أهل ذاك الفكر قد "فُرِّغوا" من نعمة العقل التي وهبهم الله إياها، وأصبحوا "روبوتيين" وآليين، يأتمرون بما تقوله "أدبيات الظلام"، ولا يرون أمامهم إلا بحار الدم وقطعان "الحور عين"!؟ إن الشعوب التي لا تتربى على الحرية، ولا يشرب أطفالها حليب الحق، تظل على حواف التاريخ، يُعاديها القاصي والداني، ويستخف بأعمالها كل المتحضرين في العالم، حتى لو أفرَغت خزائنها لإعلاميي الدولار. إن مشهد (مصْعَ) رأس الحمامة نتاج واضح للاستحواذ على العقل، وتوجيهه نحو الجريمة مهما كانت الضحية! فغريزة القتل لا تفرق بين الإنسان والطير! وأنا أتصور ماذا لو قابل ذاك المجرمُ طفلًا قطريًا؟ هل (سيمصع) رأسه كما فعل مع الحمامة، أم أنه سوف ينحره، على الطريقة (الداعشية)!؟ لقد ضرب العداء والكراهية بأطنابهما في قلوب أهل الخليج، أو بعضهم، نتيجة اختلافات سياسية، ما كان يجب أن تصل إلى الشعوب. وحتمًا برزت الممارسات والشواهد التي سيقت نحو قطر، وكأن "القوم" عازمون على محو قطر من الخريطة، وإدخال الشعب القطري إلى (الهولوكوست) على الطريقة النازية!؟ ذلك أن تلك الممارسات – التي تسامى الشعب القطري عنها – تُدلل أن لا رجعة للشعوب لما كانت عليه أيام (خليجنا واحد.. وشعبنا واحد)، وهذا مؤشر خطير، يشتت الأسرة الواحدة، ويفرّق الأبناء، ويخلق بؤر صراع مستقبلية قد تقترب من مشاهد وممارسات (الهوتو والتوستي) في رواندا! ولقد شهد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بتسامي ردة الفعل القطرية – على كافة الصعد – عن ممارسات "الأشقاء" من كلمات ومشاهد مسّت الحرمات، ناهيك عن الأضرار المادية التي لحقت بالقطريين جراء الحصار الغاشم، حيث قال سموه في خطابه الأخير: "وأشير هنا بكل اعتزاز إلى المستوى الأخلاقي الرفيع الذي يتمتع به هذا الشعب في مقابل حملة التحريض والحصار الذي تلاها؛ وإلى جَمعهِ بين صلابة الموقف والشهامة التي تميز بها القطريون دائمًا، حيث أذهلوا العالم بحفاظهم على المستوى الراقي في مقاربة الأوضاع، على الرغم مما تعرضوا له من تحريض غير مسبوق في النبرة والمفردات والمساس بالمحرمات". لابد أن يقوم العقلاء في الخليج بدورهم لمنع انتشار وباء الكراهية والحقد على إخوانهم في دولة قطر، فذاك الشحن والتحريض والتغرير سوف يخلق طابورًا خامسًا لن يوقفه أحد على طريق القتل والتدمير وخنق الأرواح، ولعل أول المتضررين بذلك هم الأقربون داخل بلدانهم! كما يجب على الإعلاميين – في المنطقة – أن يراعوا ضمائرهم، وأن يقارعوا الحجة بالحجة، وهذا حقهم في قضية الاختلاف، دون أن "يغرّروا" بمواطنيهم للحقد على الشعب القطري أو السخرية أو الاستهزاء بالمنجزات القطرية. لأن الإعلام القوي والصادق يُبرز الحقائق لإحراج غريمه، لا أن يشحن الضعفاء من البائسين والعاطلين عن العمل الذي يعانون ظروفًا اجتماعية ومادية صعبة – بوطنية زائفة – بأن الوسيلة الوحيدة للانتصار للوطن وعلى تلك الظروف هي المشاركة في حصار الشعب القطري ورميه بالمنجنيق!؟ وتلك ليست من صفات المؤمن التي يعلمونها النشءَ في المساجد. (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين". (الحجرات 9) هكذا أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين، ولكن ما قام به "المؤمنون" من حصار الشعب القطري، يعارض ذاك الأمر، والله سوف يحاسب الجميع، بمن فيهم قاتل الحمامة القطرية!؟