11 نوفمبر 2025
تسجيلكأنما تربطني بها صلة قرابة جميلة أو علاقة صداقة نبيلة، وكأن بيني وبينها – برغم غيابها - خيوطا حريرية غير مرئية، تظل تتشابك إلى أن تحجب المسافة الكبيرة بين زماني وزمانها، فيتجدد الشعور الحاد بفقدانها، رغم أنها رحلت عن عالمنا منذ ستين سنة بالتمام والكمال، كيف لا يتملكني كل هذا وأنا أتحدث عن نموذج رائع وساطع للمرأة العربية، كيف لا أشعر بهذا الشعور وأنا أتحدث عن الدكتورة سميرة موسى؟! أتأمل صورتها باستغراق، فأتساءل: كيف رحلت سميرة موسى، وهي في الخامسة والثلاثين من عمرها، أي في ذروة الشباب والحيوية؟ كيف غاب هذا الوجه البشوش، ولماذا اختفت تلك الابتسامة الصافية الحلوة؟ وأكاد أسمع أصوات القتلة الأوغاد وهي تتصايح من حولي.. الذنب ذنبها، لأنها لم تشأ أن تنسى وطنها الذي أنجبها، رغم كل ما قدمناه لها من إغراءات مادية ووعود بحياة ناعمة ومرفهة، بعد أن تحصل على الجنسية الأمريكية، وتقيم هنا بيننا!!. كانت تعد العدة للعودة – مشتاقة – إلى أرض مصر، وحجزت بالفعل تذكرة العودة يوم 17 أغسطس 1952 لكن القتلة الأوغاد كانوا يعدون عدتهم لاغتيالها، وهذا ما نجحوا فيه قبل أن تعود مشتاقة للوطن بيومين اثنين لا أكثر، حيث رتبوا لها دعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا يوم 15 أغسطس 1952، وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة، وتلقي بها في أحد الأودية العميقة، بينما قفز سائق السيارة بسرعة، يبدو أنه كان مدربا عليها من قبل، وقد اختفى هذا السائق إلى الأبد، وأعيدت سميرة موسى، ذات الوجه البشوش والابتسامة الصافية الحلوة إلى وطنها، أعيدت لمصر، جسدا طاهرا بغير روح. بهذه الطريقة الوحشية التي تم الترتيب لها بدقة شديدة، لكي تبدو وكأنها مجرد حادث مروري عادي، تم اغتيال الدكتورة سميرة موسى، لكن علينا – هنا – أن نتذكر أن القتلة الأوغاد، بصرف النظر عن اختلاف وجوههم وأسمائهم، قد استخدموا نفس تلك الطريقة الوحشية في تصفية أجساد نساء شهيرات واغتيالهن، قبل اغتيال عالمة الذرة المصرية، وبعده أيضا، وهذا ما سأتحدث عنه في الأسبوع المقبل إن شاء الله. حين نتأمل الحياة القصيرة للدكتورة سميرة موسى، يمكننا أن نعرف أنها لم تكن منغلقة على أبحاثها العلمية، ومكتفية بها.. وإنما كانت مولعة بالفن.. تجيد العزف على العود.. تقرأ بنهم شديد، وتتابع سير نساء شهيرات في مختلف مجالات الحياة، وما الذي حققنه، وماذا أخفقن في تحقيقه، وما أسباب نجاحهن أو إخفاقهن. وكانت تدرك بكل ما لديها من وعي سياسي عميق أن الكيان الصهيوني منذ إنشائه سنة 1948 يسعى لامتلاك القنبلة الذرية، وهو ما نجح فيه بالفعل، كما أنه يسعى – في الوقت نفسه – لمنع أي دولة عربية من امتلاك هذا السلاح المرعب الفتاك، الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمته بالفعل ضد مدينتي هيروشيما ونجازاكي يومي 6 و9 أغسطس سنة 1945 وكان طموح سميرة موسى أن يكون هناك توازن للرعب النووي بين وطنها مصر والكيان الصهيوني، ولم يقدر - بكل أسف - لهذا الطموح أن يتحقق، فقد كان القتلة الأوغاد أسرع من صاحبة هذا الطموح، الشهيدة الدكتورة سميرة موسى، والتي ستظل – رغم غيابها منذ ستين سنة – نموذجا رائعا للمرأة العربية. هامش: أتوجه بالشكر للقارئة خلود من الدوحة، والتي طالبتني بأن أكتب عن الدكتورة سميرة موسى، بمجرد أن قرأت ما كنت كتبته يوم الخميس الماضي بعنوان "راقية إبراهيم.. من فنانة إلى قاتلة".