17 نوفمبر 2025
تسجيلقضية الأسرى الفلسطينيين وإضرابهم عن الطعام تتفاعل وطنيا وتتصعد سياسيا منذ عملية وفاء الأحرار التي حررت بموجبها حركة المقاومة الإسلامية - حماس - أكثر من ألف أسير من ذوي المحكوميات العالية والمؤبدة في سجون العدو.. تحرر بموجب الصفقة أيضا الأسير الصهيوني شاليط.. وكان المفروض أن يتوقف العدو عن ممارساته اللا إنسانية واللا قانونية بحق الأسرى وأن يوقف العمل بما يسميه " قانون شاليط ".. وبما أن العدو لم يغير ما يجب تغييره بعد الإفراج عن شاليط فقد اتجه الأسرى للإضراب عن الطعام كنوع من اللفت لقضيتهم وللضغط عليه.. كانت حالات الإضراب في البداية محدودة وفردية وأفرج عن الأسير المجاهد (خضر عدنان) بعد أن أضرب عن الطعام ستة وستين يوما، وأفرج عن الأخت (هناء الشلبي) وأبعدها إلى غزة بعد إضراب خمسة وثلاثين يوما.. لكن شيئا مهما لم يتحقق لبقية الأسرى غير المضربين عن الطعام؛ ولم يتوقف الاعتقال الإداري – الاحترازي – ولم يتوقف نظام العزل الانفرادي الذي طاول كثيرين من الأسرى بعضهم فيه منذ عشر سنوات.. فقرر الأسرى الدخول في إضراب جماعي في يوم الأسير الفلسطيني 17 / 4 الماضي وانضم إليه حتى الآن أكثر من ألفين من كل الفصائل.. هذا الإضراب متوقع ألا يفشل وهو لم يفشل في مرات سابقة.. خضوع العدو للإضراب بالتأكيد لن يكون لفرط مشاعره الإنسانية ولا لثقل أوزانه القيمية التي خبرناها عبر أجيال من المواجهة والموادعة، ولن يكون خوفا من الضغوط والمحاكمات الدولية التي لا وجود لها أصلا ولن تكون أبدا، ولا بسبب الشجب والاستنكار العربي الرسمي أو غير الرسمي الذي لم نعد نسمعه، ولا بسبب ضغوط السلطة واتصالاتها ومتابعاتها الذي تهدد به كظاهرة صوتية حتى الآن ولا أكثر من ذلك.. العدو يخشى أن يستشهد أسرى وأن تخرج الجنازات تباعا إلى ذويهم ومدنهم وقراهم بما سيؤجج عليه أسباب انطلاق انتفاضة ثالثة صارت كل الظروف في خدمتها والتمهيد لها.. فالمنطقة كلها باتت في مرمى ثورات الربيع العربي، وكل الأفق السياسي وكل عملية التسوية مغلقة ومعطلة، والتهويد والاستيطان يجريان جريا في اللحم والدم والعظم الفلسطيني.. وكذا البطالة والفساد والفقر كلها تمزق الكبد الفلسطيني.. العدو يخشى أن يهتم الإعلام بهذه القضية فتقلل هوامش مناوراته فيها، ويخشى أن يسلط الضوء على فضائحه التي يعتبر سجن أبو غريب نموذجا مصغرا وهزليا لها.. العدو يخشى أن تتكشف زيوف الصورة النمطية التي رسمها وسوقها لدولته على أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.. العدو لا يهمه أن يموت كل الأسرى.. وهو يعتبرهم " غوييم " – غير يهود - وهم في نظره أيضا أعداء وقتلة يستحق أحدهم الموت ألف مرة.. لذا فقضيتهم وإضرابهم عن الطعام ومعاناتهم بكل أشكالها ومستجداتها لا تهمه ولا تحرجه ولا تهز مشاعره ما لم تصبح مادة إعلامية يومية على وسائل الإعلام.. ذلك فقط يمكن أن يجعل الإضراب فاعلا ومخيفا للعدو، وهو أمر يستطيعه كل أحد خارج فلسطين وداخلها وسواء كانوا أفرادا عاديين أو مؤسسات.. السؤال: أين الإعلام وأين المؤسسات الرسمية من هذه القضية؟ وأين أكثر من ستمائة فضائية عربية وإسلامية على الأقمار الصناعية سوى مئات وآلاف الصحف الرسمية وغير الرسمية اليومية والدورية التي تمتلكها الأمة وتنفق عليها المليارات وتدخل كل بيت وتتجاوز الحدود والسدود، وأين الكتاب والمثقفون؟ أين الأحزاب الوطنية والقومية والدينية وأين مراكز التثقيف والتعليم؟ وأين البرامج.. وأين وأين؟ نقول أين هؤلاء؛ ونحن نرى الكثيرين من المهتمين – فضلا عن الغافلين – لو أراد أحدهم التحدث عن قضية الأسرى ومعاناتهم بعيدا عن سعة الكلام الإنشائي وجمال العبارات الوعظية ورومنسيات الخطاب الوجداني؛ واقترب أكثر من الكلام التفصيلي والمعلومات والبيانات الإحصائية والوصفية الدقيقة وإلى الكلام عن كيفية تحريرهم ورفع معاناتهم.. نراه لا يحسن الكلام لأكثر من دقيقتين معدودتين يتخللهما الكثير من (التأتأة الفهفهة).. أليس يعني هذا أن القضية مغيبة؟ وهل يليق هذا بقضية كبيرة ومقدسة بقداسة القضية الفلسطينية نفسها، وبقداسة كونهم أسرى وكلا منهم كان ولا يزال مشروع شهادة في سبيل الله.. ومقدسة بكونها قضية الرجال الذين رفعوا شأن الأمة وسطروا البطولات التي تزهو بها وتفاخر على العالم كله وعلى التاريخ كله.. المضحك المبكي أن البديل الذي يشتغل عليه الكثير من إعلامنا كأنه قضية القضايا هو الرقص والطرب والفن والمرح والفرح والسحر والشعوذة (والهمبكة والهلفتة)، حتى التطرف والدم والنزعات الطائفية والولاءات الشخصية والانتماءات الحزبية كلها صار لها إعلامها ورموزها وصرنا نجد لها في إعلامنا من يتسابق إليها ويحتشد معها.. نقول أين الإعلام؛ والعدو - لولاه - لم يكن ليوقف عدوانه على لبنان وعلى غزة، وما كان ليتوقف عن قتل الشعب الفلسطيني كل يوم.. نقول أين الإعلام ؛ والعدو - لولاه - ما كان ليتردد لحظة عن استعمال ترسانته النووية في ضرب أي دولة يعاديها أو يختلف معها.. نقول أين الإعلام ونتذكر مقولة الهالك بيجين – رئيس الوزراء السابق للكيان - في مذكراته " لو كانت مع الفلسطينيين كاميرا تليفزيونية واحدة عام 48 لما قامت " دولة إسرائيل "، نقول أين الإعلام ونتذكر ما قاله الجنرال الصهيوني (يوآف جالانت) الذي كان أثناء العدوان الأخير على غزة قائد ما يسمى بالمنطقة الجنوبية.. فعشية توقف العدوان وكما نقل عنه موقع (فيليكّا إسرائيل) الإلكتروني قال: " إن إيقاف الحرب كان لأن إسرائيل لا تريد التورط أكثر في حرب إعلامية ضدها بدأت أوساط الإعلام الغربي تتجاوب معها.. وإن ما تحقق من أهداف العدوان لم يكن ممكنا تحقيق أكثر منه " في الظروف الحالية " وأضاف: "إن الوضع السياسي في العالم العربي يوجب على إسرائيل الزعم بأنها أوقفت الهجوم لأن باراك أوباما لن يكون سعيدا بأن تطغى أحداث غزة على أنباء توليه منصب الرئاسة بشكل رسمي، ولأن حلفاءهم من العرب (!) ليسو في وضع يسمح لهم بتحمّل الضغوط الشديدة.. آخر القول: عدونا خاص في عداوته وكيده وحقده وخطره ولا أخلاقيته ولا قانونيته ؛ فهل سنترك الأسرى وإضرابهم ومعاناتهم للضمير اليهودي والصمت الدولي والتلهي العالمي؟ وهل سننتظر أن نرى وربما بعد أيام قليلة – لا قدر الله - مئات الجنازات تتوالى تباعا في الديار الفلسطينية.. وإن لم يتكلم إعلامنا وإعلاميونا اليوم فمتى سيتكلمون؟