12 نوفمبر 2025

تسجيل

وزارة التعليم وأزمة كورونا

02 أبريل 2020

منذ أن تم الإعلان عن أول إصابة في قطر بفيروس كورونا في اليوم قبل الأخير من شهر فبراير الماضي، والأمور كانت تبدو عادية روتينية في البلاد، سواء على صعيد الحياة الاجتماعية أم الاقتصادية أم التعليمية أم غيرها من مجالات الحياة المختلفة. وكنا كغيرنا في العالم نتابع الأخبار التي ترد من الصين بشأن فيروس كورونا، الذي كان قد بدأ ينتشر بشكل وبائي هناك، واعتقدنا مثل ملايين غيرنا في العالم، أن الأمر محصور بالصين وأن الحكومة المركزية هناك، ذات اليد الحديدية الصارمة بإمكانها السيطرة على هذا المرض، الذي وبقدرة قادر، تحول إلى جائحة تهدد العالم كله في غضون شهر من الزمن.. لم تمض أيام معدودات على الإصابة الأولى في قطر، حتى تفاجأ الجميع في يوم هادئ يؤدي الناس أعمالهم والطلاب اختباراتهم، بتعليق الدراسة حتى إشعار آخر! وما بين فرحة الطلاب بهذا التعليق غير المعروف له نهاية، وقلق أولياء الأمور لخلفيات ومسببات القرار، استمر الغموض بشأن الدراسة أسبوعين من الزمن، حتى بدأ يتردد على الأسماع مصطلح الدراسة عن بعد، الذي ورد في أحد المؤتمرات الصحفية للجنة العليا للأزمات دون كثير شروحات وتفاصيل. ما إن اقتربت إجازة منتصف الفصل على الانتهاء، حتى ازداد الحديث عن المصطلح الجديد، وفهم الطلاب وأولياء الأمور بعض معاني الدراسة عن بعد، حتى إذا ما جاء وقت التطبيق، واجه الجميع - طلاباً وأولياء أمور - مشكلة تقنية تتعلق بالموقع الذي عاش ضغطاً لم يألفه من ذي قبل. حيث لم يكن متاحاً لكثيرين، وانتهى الأسبوع الأول دون نتائج. وبدأ الأسبوع الثاني بتغيير منصة التطبيق، وهي إحدى منصات مايكروسوفت المجانية، فكان الفرق شاسعاً وكبيراً، ودلالة على أن مشروع الدراسة عن بعد ما هو إلا رد فعل سريع على أمر طارئ لم يكن بالحسبان، بل لا أظنه كان ضمن إستراتيجية وزارة التعليم بشكل فاعل أو مدروس، ولا أستبعد أنه كان ضمن المشروعات الإضافية أو الثانوية التي تسد بعض فراغات الخطة الإستراتيجية للوزارة. دليل ما أقول أن الموقع الأول أو المنصة الأولى كانت موجودة من ذي قبل، لكنها لم تكن مفعّلة أو مهيأة لأن تكون منصة لأكثر من مائتي ألف مستخدم، ما بين طلاب وأولياء أمور وأساتذة ومن لهم علاقة بالتعليم، يمكنها أن تستوعب دخول هذا الجيش الكبير في وقت واحد أو متقارب، وإنما كانت منصة ثانوية أقرب إلى أن تكون للبهرجة أو الظهور الإعلامي للمشهد التعليمي عندنا، بدليل أن غالبية أولياء الأمور تفاجأ بالأمر، بل إن كثيرين ولعدم استشعارهم ضرورة هذه المنصة من ذي قبل، لم تكن في بيوتهم كمبيوترات أو لم تستدع الحاجة إلى توفيرها لأبنائهم وغيرها من مشكلات تقنية أخرى، تأتي ضمن نواقص ومشكلات البنية التحتية لهذا المشروع، كسرعة الإنترنت وتوافر الأجهزة في البيوت واستخدام حقيقي فاعل ومؤثر للمنصة من قبل المدارس .. لكن تدريجياً - وحتى نكون منصفين في الحديث - بدأت الأمور تنتظم شيئاً فشيئاً مع الدراسة عن بعد، ولكن ضمن أجواء هي ما زالت للأسف غير طبيعية للتعلم المثالي، لأنها أجواء مختلطة بالقلق والتوتر والترقب. الأمر الذي يحتاج، وحتى يصل الجميع لمستوى التمكن والتفاعل الصحيح المؤثر، إلى بعض الوقت. وهذا الوقت أظنه صار ثميناً بل قصيراً في هذا العام، لا يمكن خلاله تغطية المنهج كله. على أن رد فعل الوزارة السريع، على رغم أي أخطاء أو سلبيات، سيبقى أفضل من لا شيء، لكنه بالتأكيد ليس هو كل شيء. وأقصد أن التعليم عن بعد، وبعد انقضاء هذه الأزمة بإذن الله، لابد أن يكون وسيلة رئيسية في التعليم، وبها يمكن أيضاً تقسيم وقت الدوام المدرسي مستقبلاً، بحيث يتم الانتهاء مبكراً على أن تستكمل الساعتان الباقيتان من اليوم المدرسي عبر التعلم عن بعد.. وهذه أفكار يمكن مناقشتها بشكل مفصل بعد مرور الأزمة بسلام إن شاء الله. أزمة الثالث ثانوي رد فعل الوزارة السريع لإكمال ما تبقى من منهج هذا العام لصفوف النقل خلال الفترة القصيرة المتبقية، أمر مقبول رغم أي سلبيات أو أخطاء – كما أسلفنا – لكن تبقى مشكلة اختبارات الثالث الثانوي بالطريقة المعتادة، والتي تبدو كما في توجّه الوزارة، أنها ستكون كذلك رغم كل المحاذير من التجمعات البشرية. وهذا أمر مقلق لكافة أولياء الأمور. فإن كانت المدارس الخاصة، كما جاء عن مصدر مسؤول بالوزارة، قد تم فيها إلغاء الاختبارات الدولية للمنهج البريطاني والنظام الأمريكي وأيضاً البكالوريا، وتم بدلاً منها اعتماد نظام التقييم المستمر والمشاريع الخاصة بالعام الدراسي، طبقاً للأنظمة الأكاديمية المعتمدة في هذه المدارس وحسب المناهج المُتبعة لديهم، بالإضافة إلى تعليق الاختبارات المركزية لغالبية مناهج مدارس الجاليات، فإن الأمر المستغرب هو إصرار الوزارة على أن تكمل عام طلاب الثالث ثانوي باختبارات اعتيادية، كما لو كنا في زمن هدوء وسلم ! هذا أمر مقلق بل أحسبه أقرب إلى المغامرة والمقامرة بحياة الطلاب. المغامرة من باب أنها ستقوم بإجراء الاختبارات، رغم كل المحاذير الصحية ورغم كل النداءات الرسمية بخطورة التجمعات تحت أي صورة من الصور. وأما المقامرة، فمن باب أنها ستنفذ الاختبارات بالطريقة الاعتيادية - بحسب ما جاء عن مصدر مسؤول بالوزارة – بعد أن تؤخذ الاحتياطات والإجراءات الاحترازية - رغم أنها غير مضمونة تماماً - فإما أن تصيب وتنجح وتنتهي الاختبارات بلا إصابات أو مشاكل، فيكون ذلك إنجازاً ستتغنى الوزارة به كثيراً، أو – لا قدر الله – تقع إصابات في صفوف الطلاب أو المعلمين أو الإداريين، ولات حين مناص.. فمن سيكون حينها المسؤول عن أي إصابات قد تقع؟ من سيتحمل تبعات الاستمرار في هذا التوجه؟ هذه تساؤلات أرجو أن تستوعب الصدور التربوية لها، وأرجو الله في الوقت ذاته، أن يزيل عنا هذا الكرب وهذا الهم. إنه سميع عليم مجيب الدعوات. [email protected]