10 نوفمبر 2025
تسجيلفي كثير من البلاد العربية، حفيت أقدام معظم الشباب وهم يبحثون عن عمل مناسب أو غير مناسب، وما من شيء «يذبحني» كما تبرير بعض الديناصورات في المكاتب رفضهم قبول شاب يحمل المؤهل الأكاديمي المناسب لوظيفة ما، بأنه «ما عنده خبرة»، وأنت ما شاء الله، واسم الله عليك، بدأت حياتك الوظيفية بعد ترك مقاعد الدراسة أو طردك منها وأنت تحمل جينات الخبرة؛ وكيف سيحصل الشباب على خبرة وأنتم تمنعونه من وضع قدمه في عتبة الباب؟ وبالمقابل، أصبح معظم الحاصلين على وظائف، عرضة لأمراض مستعصية مثل الاكتئاب والخلل في وظائف القلب، والسبب في ذلك أن باب الترقي الوظيفي صار مغلقاً في وجوه من هم دون الأربعين، لأن العمل العام عندنا يعمل بمنطق المثل الخليجي «من سبق لبق»، وهكذا تحسب وزارات ومصالح وإدارات ومؤسسات حكومية وكأنها «ورثة» نالها شخص معين أو مجموعة أشخاص؛ يكون الواحد منهم قد نال الوظيفة وهو مراهق عمرياً ومهنياً، ويبلغ الرشد وهو في نفس الوظيفة، ومع الترقية الثانية أي في أول العشرينيات يتزوج للمرة الأولى، وفي أول الثلاثينيات يصبح من كبار الشخصيات، أي من أهل الحل والعقد الوظيفي، أي إنه يصبح جاهزاً لـ «يحل» في أي منصب كبير وأن «يعقِّد» الأمور بحيث يبدو عليه أنه «فاهم»، وتأتي الزوجة الثانية وتكون في غالب الأحوال من بيت دعائمه «أعز وأطول»، وتكون وجه خير عليه، لأن أهلها المعززين بالوجاهة الاقتصادية يدعمون طموحه، حتى يكون قد بلغ وهو في نهاية الثلاثينيات رأس الهرم الوظيفي، فيتمرد على أهل زوجته الثانية الذين جعلوا منه «بني آدم» ويعثر على زوجة ثالثة «تليق بمركزه الرفيع»، دون أن تكون قادرة على تذكيره بفضل أهلها عليه كما تفعل الزوجة الثانية! ولكن معظم كبار الموظفين عندنا لا يبقون في مناصبهم طويلاً فقط لأنهم مسنودون من قبل جهة أو أخرى، ولكن أيضاً لأن «بالهم رايق» ولا شغل لهم سوى شرب الشاي؛ والشاي هو مربط الفرس، فالرأس الكبير في أي جهاز حكومي عندنا يشرب نحو 13 كوب شاي خلال الدوام، اثنان منها بمزاجه و11 مجاملة لزوار مكتبه من صائدي الصفقات أو الشائعات، والشاي – طال عمرك – يعزز جهاز المناعة، وهذا كلام صار مؤكداً ومحسوماً من قبل كلية طب جامعة هارفارد الأمريكية ومستشفى النساء في مدينة بوسطن بولاية ماساشوستس (إذا طلب أحد عيالك مبلغاً فقل له إنك ستعطيه ضعف ما طلب إذا ردد «ماساشوستس» على نحو صحيح خمس مرات، وتضمن بهذا أنه لن ينال مليما أحمر! هذا بالطبع إذا نجحت أنت في نطقها بالطريقة الصحيحة)، على كل حال فقد أكدت دراسات شملت الآلاف من شاربي القهوة والشاي، أن من يشرب قرابة نصف لتر من الشاي يومياً يصبح جهاز المناعة عنده معززاً بعشرة أضعاف، فالشاي يحتوي على مولدات مضادة ذات تأثير مباشر ومحسوس على ذلك الجزء من نظام المناعة المسمى خلايا «جاما دلتا تي»، التي تمثل خط الدفاع الأول في الحرب على الإرهاب الصحي، وعندما تواجه تلك الخلايا أي نوع من الباكتيريا، فإنها، أي الخلايا، تتكاثر بدورها عشرة أضعاف وتفرز مواد كيميائية تتولى هزيمة العلوج والطراطير الغازية، وهكذا فإن كبار الموظفين عندنا لديهم أرصدة ضخمة من خلايا «تي» مما يبعد عنهم الأمراض و ... المنافسة... يعني أي موظف كبير يتغيب عن العمل بحجة المرض «مستهبل»، لأن الشاي البلوشي الذي يطفحه على مدار اليوم يوفر له المناعة ضد أمراض كثيرة! وستدرك أن كلامي هذا صحيح إذا تذكرت أن سعادته قل أن يغيب عن العمل طويلاً بسبب المرض!! فهو أذكى من أن يفعل ذلك خوفاً مِن أن مَنْ سينوب عنه سيقوم بتسيير العمل بطريقة أفضل، تلفت النظر إلى أن المكان الطبيعي لسعادته هو الأرشيف الوظيفي... أي التقاعد!! [email protected]