09 نوفمبر 2025

تسجيل

زيارة الأمير تميم للأردن

02 أبريل 2014

شكلت زيارة الأمير تميم بن حمد آل ثاني للأردن ولقاءه بالملك عبدالله الثاني حالة استثنائية عما باتت تشكله العلاقات الرئاسية والعلاقات العربية العربية خصوصا بين الزعماء وقادة الدول التي باتت أشبه ما تكون علاقاتها التنافسية لا التكاملية، في ظل أجواء ملبدة بالسحب السياسية الرمادية التي تختبئ خلفها عواصف عاتية تنتظر التقاء شحنات التوتر العارض لتنفجر فجأة فتفضح ما خلفها من شحناء وبغضاء، لبعضها أسباب وأكثرها دون أسباب تستحق كل تلك التوترات والمهاترات التي يطلقها بعض الصغار نيابة عن الكبار. زيارة الأمير ليست كما يظنها البعض وظيفية مؤقتة أو توظيفية لحالة عابرة، فلقطر،الدولة والحكومة والقيادة،سياسة طالما كانت متفردة في الجناح العربي الخليجي وهي ليست مخفية، فهي تعمل علنا لأهداف تؤمن بها حتى وإن تضاربت مع دول أخرى فهي لا تهدد العلاقة الدبلوماسية أو اليد العاملة للدول الأخرى، فحسابات الحكومات لا تعترض حسابات الشعوب، وحتى لو لم تعجبنا سياستها في قضية ما فهذا لا يحملنا على التعبئة السيئة ضد بلد طالما وقف مع الشعوب المضطهدة من سواد العرب على يد أعدائهم أو سلطتهم الحاكمة بالحديد، فللنظر إلى غزة المحاصرة والقدس المحتلة لنعرف من يدعم صمود أهلها بمئات الملايين المدفوعة لا الموعودة ثم نحكم على النوايا فيما بعد. لذلك كانت زيارة الأمير لعمان محل ترحيب واسع في الأردن كما هو حال أي زيارة لأي رئيس عربي سابقا، ففي ظل جفاف وجفاء عربي عام وسنين عجاف أوصلت الأمة إلى حال يرثى لها معنويا، فإن مجرد وصول رئيس دولة عربية للعاصمة عمان حتى ولو كانت لساعات فهي تذكر بالزمن الجميل للزعامات العربية التي لا تقطع أواصر المحبة والأخوة تحت وطأة الغايات ولأسباب الشخصية، ولا تقايض العلاقة بالمواقف أو تحدد شروط العلاقة بالتبعية للقرار، ففي النهاية كل دولة عرفت حدودها السياسية وساحات ملاعبها على خارطة الوطن العربي، ولا أحد يقطع طريق البطولات على أحد، فالمثل الشعبي يقول: هذا الميدان يا حميدان، فلا تجعلوا من موقف دولة ما سببا في عجزكم عن معالجة مشكلة ما.قطر والأردن هما جزء من هذه الجغرافيا العربية والأمة الواحدة، لذلك لم يكن الغريب أن يزور آل ثاني عمان في هذا الوقت، بل الغريب أن لا يزورها أو أن لا يزور الملك عبدالله الدوحة أو أي قائد عربي آخر، ففي المحصلة ستنتهي أي أزمة سياسية أو حالة حرب أو انقلابات واضطرابات في عالمنا العربي وستلتقي الوجوه ولو بعد حين، لذلك يجب أن يبادر جميع الأشقاء الزعماء بكسر تلك الحواجز الجليدية المصطنعة، ويصنعوا المعروف مع شعوبهم كي لا يدفع الملايين من المواطنين فاتورة الرؤوس الحامية للزعامات التي لا يريدون لشعوبهم أن يروا إلا ما يروا هم، ولا يحبون إلا من يحبون! لقد أثارت زيارة أمير قطر للعاصمة الأردنية الكثير من التساؤلات عبر محطات التلفزة الإخبارية العربية، ولعلني أجبت على إحداها بأن الزيارة كانت مقررة منذ بداية العام، لذلك هي ليست في محل مناكفة لأي من الدول الشقيقة، ولا اختراق للقبب السياسية للدول الأخرى، فعمان اتخذت قرارها مسبقا بعدم التدخل في شؤون أي دولة عربية، وهي تقف على مسافة واحدة مع الأشقاء العرب، وأي "خلاف دبلوماسي" يفضل أن يبقى داخل حدود الدول المتخالفة، على أمل أن تتغير الظروف سريعا لإعادة إصلاح الخلل السياسي لتشغيل الرادار الدبلوماسي بطريقة أفضل في المستقبل، والجميع أشقاء سيعودون يوما إلى أصلهم الطيب ولو قسرا وقد لا يعرف البعض أن الأمير تميم يرتبط بعلاقة أخوة عالية مع الملك عبدالله وهو يكن للأردن كل مشاعر المحبة، وقطر تستوعب ما ينوف على الثلاثين ألف موظف أردني من ذوي الكفاءات المتميزة لا يشعرون فيها بأي غبن أو تمييز وهم يعيلون آلاف الأسر في حالة تكافلية تكاملية بين بلدين شقيقين غير متجاورين، فيما يتدرب في المؤسسات الأردنية العديد من خيرة الشباب القطريين وخرجت المدرسة العسكرية الأردنية كوكبة من نخبة المجتمع العسكري والسياسي في قطر اليوم. جماعة الإخوان المسلمين رحبت بالزيارة، وهذا يفتح النافذة لمشاهدة ما قدمه الأردن الرسمي للجماعة كمؤسسة حزبية وتنظيم سياسي أصيل في المجتمع السياسي الأردني بغض النظر عن مواقفهم، وهذا احترام للمنطق والذات السياسية، فعندما تتصدى للعمل السياسي وتفتح الباب للديمقراطية أو قليل منها حتى فعليك أن تستوعب جميع الأطياف السياسية، لا أن تتقرب منها فجأة ثم تعلن الحرب عليها في دقائق، لذلك فالدولة التي تمتلك أدوات إدارة أزماتها الداخلية لا يضيرها أي مشاعر محبة خارجي لخصم سياسي داخلي، وهذا رد أيضا على تساؤلات غير بريئة للإعلام الخارجي برزت فجأة خلال الزيارة لتبني شبكة اصطياد في الهوا الطلق لفتح باب التأويل في غير محله.يبقى الجانب الأهم من التساؤلات وهي القضية السورية وتصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما من الرياض الأسبوع الماضي بما يخص دعم وتسليح المعارضة السورية، وهل زيارة الأمير تميم لها علاقة بذلك، ومن البديهي أن غالبية الدول تطالب بدعم المعارضة السورية ولكنها لم تتفق من هو الطرف الذي يجب دعمه، وفيما يخص الدوحة وعمان فإن الأردن يستوعب على أرضه مليون ونصف سوري لاجئ غالبيتهم في المخيمات وقطر الدولة الأولى والأكثر دعما ماديا وعينيا لهؤلاء اللاجئين الذين تتحمل الدولة الأردنية عبئا كبيرا في استضافتهم خلال السنوات الثلاث الماضية، فيما تنتظر عمان الحصول على حصة الدعم الذي وعدت به الحكومة القطرية من خلال مقررات الصندوق الخليجي والبالغة مليار دينار تقريبا.ختاما ليس هناك ما يخفى على أحد، ومثل هذه الزيارات يجب أن تستمر وأن تبقى القنوات مفتوحة بين العواصم العربية رغم اختلاف وجهات النظر ويجب العمل على اللحاق بركب الحضارة العالمية إذا أردنا أن نكون شعوبا ودولا وقيادات محترمة، فلا يمكن أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ورؤوسنا تلتفت إلى الخلف.