09 نوفمبر 2025
تسجيلهل يدرك العرب ونحن على أعتاب سنة 2013 أن الوضع الأمريكي الاقتصادي الداخلي مهدد بهزة عنيفة سوف يفقد فيها مليون مواطن أمريكي شغلهم وبأن الجدل قائم اليوم في أروقة القرار الأمريكي حول احتمال نشوب حرب نووية إقليمية (في الشرق الأوسط وبين الكوريتين) وبأن الاتحاد الأوروبي مهدد بسن سياسات مالية مناقضة لدساتير الدول الأعضاء بإسناد آلاف المليارات من اليوروات لليونان ولإسبانيا وللبرتغال ولإيطاليا، ومهدد إما بفتح الحدود في وجوه الملايين من فقراء أوروبا الشرقية سابقا أو بغلقها، وفي كلا الحالتين فإن القارة المرفهة سابقا ستمر بمرحلة فوضى وانعدام أمن ولعل البناء الوحدوي الأوروبي سوف يبلغ شفا الهاوية بانتهاء العملة الموحدة والتراجع عن ميثاق (ماستريخت) وهو ما سينعكس سلبا على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض أي علينا نحن العرب، ثم هل يدرك العرب أن الرئيس بوتين أعطى الأولوية هذه السنة لمضاعفة ميزانية الدفاع وتخصيص مبالغ ضخمة للتوسع النووي وبأن الصين تحولت إلى أول قوة صناعية وتصديرية وأول مستودع للدولار في العالم وبأن برنامجها لغزو الفضاء أصبح ينافس أو يفوق البرنامج الفضائي الأمريكي وبأن كوريا الشمالية أطلقت بنجاح صاروخها محملا بالأقمار العسكرية التجسسية وبأن حلف الناتو وافق على نصب درع صاروخية من الباتريوت على حدود تركيا مقابل سوريا وإيران والعالم العربي! هل يدرك العرب بأن إسرائيل اعتبرت على لسان خبرائها بأن الربيع العربي يصب في صالحها لمجرد أن حماس غادرت سوريا وأن حزب الله معرض للاختفاء من دون الدعم السوري والإيراني وأيضا لأن الرئيس الإسلامي محمد مرسي واصل العلاقات مع الدولة العبرية وأرسل سفيره إلى القدس المحتلة محملا برسالة تقليدية موجهة إلى "الصديق العظيم شيمون بيريز" حسبما تقتضيه نواميس الدبلوماسية وهل يدرك العرب أيضا بأن التحولات الكبرى في الربيع العربي نتجت عنها حالات غير متوقعة من الانفلات الأمني والركود الاقتصادي وانحباس الاستثمار والسياحة وبأن إيران تواجه في أي لحظة هجوما على منشآتها النووية! هذا هو المشهد الدولي المحيط بالعرب وهو لا يبعث على الاطمئنان والتفاؤل ولذلك أطلقت عليه نعت بحر الظلمات (وهو الاسم الذي أعطاه قدماء الجغرافيين العرب للمحيط الأطلسي) فبالفعل تبحر اليوم سفينة العرب في لجج هذا اليم متلاطم الأمواج دون أن يدرك ربانها (أي نخبتها) حقيقة المخاطر التي تهدد أي سفينة فقدت البوصلة وتلاعبت بها العواصف الهوجاء. وعوض أن نهتم بهذه المخاطر ونقرأ الحالة الإقليمية والدولية بما وهبنا الله من بصيرة وعوض أن نعدل ساعاتنا على توقيت هذا العصر المتشعب العسير وعوض أن نشرع جميعا في الاستجابة الفورية والاستعجالية لمطالب أولئك الشباب العرب الذين قدموا أرواحهم وبذلوا دماءهم من أجل "هاته اللحظة التاريخية" كما قال المواطن التونسي ذات يوم انصرفت أغلبية النخبة إلى إذكاء الصراع من أجل احتلال المواقع القيادية وممارسة حكم الشعب دون الحصول على وفاق واسع ومؤهلات ضرورية وبسرعة تم تعويض الكلمات في الحوار باللكمات وكيل تهم التخوين لبعضهم البعض وألغت هذه النخب التي كانت في المنافي والسجون متسامحة ومتضامنة فضيلة التفكير وتسلحت بأدوات التكفير وفهم بعضهم حرية التعبير فهما مستوردا، فنزلوا برموز الدولة إلى حضيض السخرية والتحقير بينما الإعلام في الدول الغربية الديمقراطية لا يهتك عرضا ولا يمس حميمية ولا يتجاوز حدا حتى لو ابتكر مسرح الدمى وأبدع في الكاريكاتور. ثم انتقل هذا العنف اللفظي إلى مرحلة الاعتداء على الأنفس والأرواح وحين تضعف الدولة وتتردد مؤسساتها ويتلعثم جهازها الأمني ويتحزب جهازها القضائي فإن اليد العليا والكلمة الفصل تصبح للميليشيات وتصبح المبادرة للعصابات ويصبح الخروج عن القانون رياضة شعبية ولو صدقت هذه الأخبار المخيفة القادمة من تونس ومفادها إحباط مشروع عمليات خطف وتصفية ذات طابع سياسي وإجرامي بنفس أساليب عصابات المافيا والألوية الحمراء! فإننا نجد بلادنا في حالة خطيرة متقدمة من الفتنة لا قدر الله ولا يظنن المواطن التونسي أن هذه الحالات غير مسبوقة أو أن العنف ظاهرة دخيلة تماما على بلادنا كما يدعي البعض عن حسن نية وأن تونس في مأمن مضمون من الهزات العنيفة لأن وطننا المعروف بالوداعة والحكمة عاش في القرن الثامن عشر حربا أهلية دامت ثلاثة عقود بين الباشية والحسينية بدأت عام 1724 بثورة علي باشا على عمه حسين بن علي من أجل العرش وتقاتلت القبائل التونسية على مدى ثلاثين سنة من الفتنة والحقد ويروي المؤرخ ابن أبي الضياف في كتابه القيم (إتحاف أهل الزمان لملوك تونس وعهد الأمان) فظائع تلك الفتنة التي تفوق الوصف في الشراسة والشر والانتقام الوحشي والتمثيل بجثث الضحايا، ثم جاءت مرحلة الخمسينيات من القرن العشرين فعاش التوانسة فتنة ثانية بين اليوسفية نسبة إلى الزعيم صالح بن يوسف والبورقيبية نسبة إلى الزعيم الحبيب بورقيبة وراحت في هذه العشرية (1954-1962) آلاف أرواح الأبرياء والمناضلين هباء من أجل الزعامة وفتنة الحكم. فتونس لم تكن استثناء مع الأسف في تاريخها البعيد أو القريب من مثيلاتها العربيات ولعلها تقع فيما وقعت فيه بلدان عربية كثيرة من طائفية من صنف جديد أي عوض الانقسام بين سني وشيعي كما العراق أو بين مسلم ومسيحي كما لبنان، سيكون انقسام التوانسة لا قدر الله بين إسلاميين وعلمانيين تحت شعارات فضفاضة وحجج مزورة تدخل بمجتمعنا منعرجا مشحونا بالمخاطر والمزيد من الهزات يكون فيه كل فعل وكل رد فعل مبنيا على العنف والعنف المضاد خارج القانون وخارج الأخلاق بل وخارج التاريخ. فاعتبروا يا أولي الألباب.