12 نوفمبر 2025
تسجيلأخشى أن أصدر مقالي هذا بإجابة صادمة ومحبطة للشعب السوداني الذي لديه ما يكفيه من مخزون الإحباط، فأبشرهم بأنه لا أمل في سلام قريب في السودان الموبوء بخلافات أبنائه المزمنة، لا أدعي بأنني لا أحس بهذا الخاطر المخيف في وجداني الحزين، ولكنني أتجمل عنه وأدافعه، وأناجزه، وأزجره إلى حين، على أمل أن تصفو أكدار الحياة لبلدي ولشعبي، أعلل نفسي بالآمال العريضة حالي مثل حال الشاعر العربي مؤيد الدين الطغرائي القائل:أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ولكنني أبدأ الحديث من أوله.انهارت هذا الأسبوع آخر محاولة لإحداث اختراق في المشكل السوداني قامت بها بالاشتراك الأمم المتحدة، والآلية الإفريقية رفيعة المستوى. متحدثون عن الأمم المتحدة والآلية الإفريقية رفيعة المستوى والحركة الشعبية – قطاع الشمال - تبادلوا التصريحات المتفائلة حول نتائج هذه الجولة، تحدثوا تحديدا عن تحقيق اختراق تجرى الترتيبات النهائية لإخراجه والإعلان عنه، وفهم من تصريحات هذه الأطراف أن إعلانا باتفاق هدنة طويلة بين المتحاربين قد تم التوصل إليه. وسوف يترتب عليه وقف النشاط الحربي بالكامل. وفتح الطرق والمسالك لإيصال المواد الغذائية والأدوية إلى المحتاجين، ثم يعقب ذلك زخم سياسي وتفاوضي يفضي بالضرورة إلى تسوية شاملة توقف الحرب مرة واحدة وإلى الأبد لترفرف بعد ذلك رايات السلام الذي ظل مطلوبا ومفقودا على مدى عقود. هل كان كل ذلك حلما ورديا وتفاؤلا مفرطا لم يكن في محله بأي حال من الأحوال، مع الأسف الشديد يبدو هذا هو الواقع، لقد اتضح الآن أن الهوة بين هؤلاء الفرقاء لم تزل على عمقها القديم، بل ربما زادت عمقا بمطالبة الحركة الشعبية – قطاع الشمال بالحكم الذاتي للمنطقتين (جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق) في نطاق السودان الموحد. ومناقشة مشكلة المنطقتين في إطارها القومي دافعة برفضها للحلول الجزئية باعتبارها تكتيكا حكوميا يخدم المخططات الحكومية السائرة على هدى سياسة فرق تسد المعلومة الأهداف والوسائل تاريخيا. المفاوض الحكومي صاح "فاول"، وأعلن أن الحركة بطرحها هذا قد خرجت عن مضمار التفاوض المتفق عليه. وأنه غير مفوض لمناقشة أمور من شاكلة حكم ذاتي للمنطقتين أو مناقشة مشكلة المنطقتين في إطار قومي، وأسقط في يد الوسطاء ولم يبق أمامهم إلا القول إن بون الخلاف بين الطرفين ما زال واسعا، ولكن كان لابد من تحلية دبلوماسية للمرارة الشديدة التي أحسها السادة الوسطاء في حلوقهم بعد تصريحاتهم المتفائلة الخادعة. المستر ثامبو امبيكي رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى أراد أن يخفف من طعم المرارة: قال إن المفاوضات لم تنهار، وأنهم حققوا تقدما ملحوظا في العديد من الملفات (لم يسمها!) وأنهم قرروا منح الفرقاء مزيدا من لمعاودة الكرة مرة أخرى. بعض الأصوات المعارضة السودانية لم تقبل تحجج السيد امبيكي واتهمته بالضلوع في مخططات النظام بل والتحدث بلغته وتعابيره حين يتحدث، الذي لا خلاف حوله هو أن الوسطاء يبيعون للشعب السوداني الوهم، ولا شيء في جرابهم يخرجونه لهم غير الطلب إليه بأن يلوك المزيد من الصبر.