16 نوفمبر 2025
تسجيلفي كل يوم تفقد قطر أحد رجالاتها الأوفياء، ومع أفول نجم كل شخصية قطرية نتذكر معها مواقف هؤلاء الرجال ومناقبهم وكرمهم الحاتمي وكل ما تحتويه صفاتهم من أفعال المروءة والرجولة والشجاعة والنخوة العربية التي قد لا تتكرر في كل زمان، وبخاصة عبر المحافظة على سلوم الآباء والأجداد والسير عليها دون انقطاع، فقد كان الفقيد الشيخ سعود بن فهد آل ثاني من المحافظين على هذه الصفات ومن الشخصيات التي يشار إليها بالبنان (عليه رحمة الله).فقد انتقل إلى جوار ربه الوجيه الكريم الشيخ سعود بن فهد بن جاسم آل ثاني عن عمر ناهز الثمانين سنة على وجه التقريب، أي أنه من مواليد الثلاثينيات تقريبا، وهو أحد أحفاد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني آل ثاني، والذي يعد من أبرز وجهاء الأسرة الحاكمة ومن وجهاء قطر المعروفين، حيث عاش في منطقة الخيسة التي كان يقطنها منذ زمن طويل، ووالده هو أحد أبناء المؤسس الشيخ جاسم، وهو الشيخ فهد بن جاسم بن محمد بن ثاني آل ثاني والمتوفى بتاريخ 20 – 6 – 1400 هجرية، الموافق 5 – 5 - 1980 ميلادية. والشيخ سعود ين فهد آل ثاني شخص مضياف وكريم، دائما تجد الضيوف عنده، وذو نفس عزيزة، واشتهر ببشاشته وابتسامته التي لا تفارقه أبدا، كما عرف بمداعباته وروحه المرحة مع من يجالسه، حيث لا يمل أي شخص من حديثه معه، وقد كان كذلك يلم بتاريخ قطر السياسي، ويحفظ كل أشعار جده المؤسس، كما أنه ملم بتاريخ قطر الاجتماعي والاقتصادي خلال القرنين الماضيين، ويحفظ تاريخ قطر عن ظهر قلب، ومنه تاريخ المؤسس والغزوات التي خاضها ودافع فيها مع شعبه الوفي عن قطر وحدودها أثناء فترة حكمه حتى وفاته في سنة 1913 م ودفنه في بلدة "لوسيل"، وهو نفس المكان الذي دفن فيه بالأمس الشيخ سعود بن فهد آل ثاني. من مناقب الشيخ سعود بن فهد – رحمه الله – أنه كان يعشق الأدب والشعر ويجالس الأدباء أحيانا متى سنح له ذلك، وهذا الشيء كان منذ فترة طويلة، رغم مرضه وظروفه الصحية التي كان يمر بها في أواخر حياته، وقد امتدحه بعض الشعراء من قطر وخارجها. وعرف عنه كذلك اعتزازه وافتخاره بجميع قبائل قطر، وخاصة تلك القبائل التي وقفت مع جده المؤسس، حيث دافعت عن حياض الوطن في النوائب ، فكانت نعم المعين لحاكم قطر خلال القرنين السابقين، وتكلل ذلك بتوحيد شبه جزيرة قطر تحت مظلته بإقامة إمارة قطر منذ قديم الزمان. ويعرف عن الفقيد أيضا بأنه كان صاحب مكانة كبيرة بين أفراد الأسرة الحاكمة، وله مجلسه العامر في " الخيسة" الذي يرتاده أغلب أهل قطر ويترددون عليه في المناسبات الاجتماعية والوطنية بكل الأوقات، كما كان يقيم لهم الولائم الأسبوعية دون انقطاع، فاشتهر بكرمه الحاتمي على مر السنين، وكذلك كان والده رحمه الله. وعرف عنه كذلك أنه صاحب علاقة وثيقة مع كل حكام قطر الذين عاصرهم حتى وفاته، وبالأخص صاحب السمو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني حاكم قطر الأسبق (972 - 1995). وكانت تربط الفقيد علاقة صداقة قديمة ببعض الوجهاء والأمراء في دول الخليج والجزيرة العربية. ولا زلت أتذكر جلوسي مع الفقيد في أكثر من مناسبة، والاستمتاع بحديثه الذي لا يمل، وكذلك مصاحبته مرارا لوالدي صباح بن سعيد الكواري أطال الله في عمره، خاصة عندما يتذكر مناقب جده المؤسس الشيخ جاسم بن محمد، وحفظه لتاريخ حياته السياسية وفترة حكمه، وكذلك افتخاره بسيرته العطرة وأشعاره التي تحض على الحكم والنصائح والمواعظ التي لا نهاية لها، فقد جالسته أكثر من مرة وخاصة في أواخر تسعينيات القرن الماضي عندما كان يعشق الشعر والأدب، ومن هذه المجالسات تلك التي كانت في مجلس الوجيه المرحوم أحمد بن خليفة بن ناصر آل طوار الكواري أثناء مأدبة غداء أقيمت على شرفه، وكذلك أكثر من مأدبة غداء أقامها له الوجيه المرحوم جبر بن سلطان بن ناصر آل طوار الكواري، كما كانت تربط الفقيد علاقة قديمة بكبار أعيان قبيلة آل بوكوارة (وهم أخوال المؤسس)، ومنهم على وجه الخصوص من أمثال: أحمد بن علي بن عمران الكواري وعبدالعزيز بن علي بن عمران الكواري وأحمد بن راشد بن يوسف الكواري (عليهم رحمة الله جميعا)، وغيرهم من وجهاء وأعيان قطر الكرام.وأتذكر أن الفقيد كان كثيرا ما يأتي على قصائد جده المؤسس الشيخ جاسم ويردد أشهر أبياته وقصائده الشهيرة، وما كانت تعبر عنه من صدق العاطفة والمعاناة الحقيقية التي قيلت فيها تلك الأشعار، منها – على سبيل المثال لا الحصر – قول المؤسس:فلولا القضى يا دار يجري على الفتىوالأقدار مـا عنهـا مطيـر وحايـل كان البدو والحضر ما جـاو سوقـكونقدع شبا يا دار من جـاك صايـلوقوله أيضا:يلومني العذال في مطلـب العـلايقولون يسلك بك دروبٍ صعايب فلولا ركوب الصعب في كلّ شدهوصبر على شداتهـا والكرايـب ما لذ فـي الدنيـا لذيـذ ومطعـمولا لذ لي فيها لذيـذ المشـاربوقوله رحمه الله:كذا قد بدا الإسلام في حال غربةويرجع غريب وحن بعد اغراب لك الحمد يا من هو بتقـواه عزنـاوجعل لنا الين القويـم حجـاب حجابٍ حجبنا عن موالاة غيـرهوإذا شان من طاع الإله ثيـابوقوله كذلك:فسبحانك اللهم مالك كل مالكشديد عقابـك قـادر قهـار تعز بالطاعه ضعيف لجا بـكوتذل بعزك طاغـي جبـاروكذلك قول ابن المؤسس الشاعر الشيخ علي بن جاسم بن محمد في مدح والده المؤسس، مبيناً بعض صفاته وأخلاقه الرفيعة:أبوي الذي له منتهى الجود والكرموللمـال بـذّال وللحمـد كاسـب رقى ذروة العليا من المجد واشتهروله في المعالي كـل يـوم مطالـب وشاد المكارم وابتني شامخ الفخروابرم برايه محكمـات اللوالـب وقد خلف المرحوم الشيخ سعود بن فهد آل ثاني ذرية من الأبناء الذين تبوأ منهم بعض المناصب القيادية في الدولة، ولهم مكانتهم الاجتماعية، ومنهم: (الشيخ عبدالرحمن بن سعود) الذي تولى عدة مناصب مثل : رئيس الديوان الأميري، ورئيس مجلس إدارة شركة فودا فون، ورئيس اللجنة التنفيذية لكلية شمال الأطلنطي، ورئيس اللجنة الدائمة لمشروع كلية التمريض، وقد عمل في فترة سابقة بمنصب سفير دولة قطر في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، كما عمل أيضا بوظيفة السكرتير الخاص لسمو الأمير بدرجة وزير، هذا إلى جانب عمله في منصب عضو مجلس العائلة الحاكمة. وللفقيد الشيخ سعود بن فهد (رحمه الله) بعض الإخوة، منهم: جاسم، حسن، مبارك، فالح، ناصر. كما رزق الشيخ سعود بعدد من الأبناء منهم: عبدالله، عبدالرحمن، محمد، خالد، فيصل، جاسم، فهد، خليفة، أحمد، سحيم، زايد. * كلمة أخيرة: رحم الله الشيخ سعود بن فهد آل ثاني أحد رجال الأسرة الحاكمة ووجهاء قطر الكرام، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.