05 نوفمبر 2025
تسجيلتمثل الرقابة على أداء الأجهزة الحكومية المحور الأساسي لتقدم الدول، حيث تقوم هذه الرقابة على تطوير معايير لقياس الأثر الاقتصادي والتنموي لكفاءة الإنفاق الحكومي للمسارات الخمسة (الإنفاق الرأس مالي، والمشتريات الحكومية، وتمكين الجهات الحكومية، والتقنية والتحول الرقمي، والخطط التنموية الاستراتيجية لرؤية قطر 2030، وفق أفضل الممارسات العالمية، لذلك بادرت الدول المتقدمة بتشكيل هيئات ودواوين ومؤسسات لتقوم بهذا الدور بشكل مستقل مع منحها كامل الصلاحيات القانونية للتفتيش والضبط لأي تجاوزات قد تؤدي الى حدوث اي خلل إداري يزيد من الانفاق الحكومي او يمهد لأي عملية فساد من ذوي النفوس الضعيفة. هيئة الرقابة الإدارية والشفافية تفخر دولة قطر بما تحققه من إنجازات في مجالات تعزیز النزاهة والشفافیة والوقایة من الفساد، بفضل رؤیة قیادتنا الحكیمة لإعلاء قیم النزاهة والشفافیة، وجعلها أولویة سیاسات دولة قطر الوطنیة والدولیة، وأیضا بفضل القیم الرصینة لمجتمعنا العریق، مما جعل دولة قطر تتبوأ مكانة رفیعة ضمن أفضل دول العالم في معاییر الشفافیة والنزاهة، وهو ما تؤکده المؤشرات الدولیة ذات الصلة، هذا هو المفهوم العام الذي قامت عليه هيئة الرقابة الادارية والشفافية بدولتنا الحبيبة، ونتطلع ان تقوم هذه الهيئة بتطوير أجهزتها الرقابية وخاصة ان قطر مقبلة على ممارسة سلطة تشريعية منتخبة جديدة (مجلس الشورى) سوف تقوم بمهامها الرقابية من خلال أعمال هذه الهيئة التي ستكون حاضرة على الدوام في كل ما يدخل في اختصاصات مجلس الشورى المنتخب من قبل الشعب القطري. الرقابة المالية تعتمد الرقابة المالية الفعالة في اعداد استراتيجية متكاملة لجميع أعمال الأجهزة الرقابية في الدولة لربط الأولويات بالأهداف الاستراتيجية، وتشتمل كذلك على تحديد الفجوات الآنية في كفاءة الإنفاق الحكومي، والشراء الموحد، ووضع مبادرات ومشاريع ومستهدفات ومؤشرات أداء تفصيلية، لسد هذه الفجوات خلال مدى زمني محدد مراقب من السلطات التشريعية والتنفيذية، وتحديد دور كل جهة على حدة خاصة الهيئة الرقابية ووزارة المالية وديوان المحاسبة للمحتوى المحلي والمشتريات الحكومية في الجانب التنفيذي. الرقابة الإدارية الرقابة المالية تحتل أهمية كبيرة في العملية الإدارية وتعد من أهم ركائز هذه العملية، ولا بد من تنظيم عملية الرقابة بشكل يجعل منها أداة فاعلة في تطوير وتوجيه النشاط الإداري بكياناته المختلفة. ومن المعلوم أن الأجهزة الحكومية تهدف من وراء إنشائها إلى تقديم الخدمات للمواطنين، ويأتي دور الأجهزة الرقابية لضمان تقديم هذه الخدمات بأسرع وقت وبأقل جهد وتكلفة ممكنة وبالشكل المطلوب قانوناً، كما إن وجود أنظمة ذات كفاءة وفعالة للرقابة الادارية في أية جهة يعتبر من الأمور الهامة في نجاح تلك الجهة في تحقيق أهدافها، نظرا لما تشكله أنظمة الرقابة المالية والادارية في متابعة أعمال تنفيذ الخطط والسياسات الموضوعة بقصد التعرف على الانحرافات الادارية والمالية ومعالجتها في الوقت المناسب للمحافظة على المال العام من عمليات الاختلاس أو الضياع أو سوء الاستعمال، ولا تقل عن أهمية الرقابة في الجوانب الوظيفية الأخرى داخل أي وزارة أو منشأة ولا يكتفى بالرقابة على كمية وجودة الإنتاج والشراء والتخزين وعلى الأفراد والتسويق ما لم يكن هناك أيضًا نشاط رقابي فاعل يَحكُم التصرفات المالية لضمان سير الأمور كما يجب ولغاية الوصول إلى تحقيق أهداف الجهة المعنية. الرقابة في الإسلام اتجهت الدول اليوم إلى تأسيس دواوين وهيئات للرقابة المالية والإدارية على أجهزة الدولة بشكل عام لكن الإسلام سبق كل الأنظمة الحديثة في ذلك، فمفهوم الرقابة في الإسلام كان واردا في الآيات القرآنية الكريمة أو الأحاديث النبوية الشريفة أو سيرة الخلفاء الراشدين والأمراء المسلمين، فمن الناحية القانونية كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المشرع الأول لتعاليم الديانة الإسلامية اعتمادا على ما ينزل عليه من آيات كريمة من عند الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى ما يحدث به من قول أو يقوم به من فعل يمثل سنة يجب على المسلمين أن يقتدوا بها ويعملوا وفقا لها، إضافة لكونه القاضي الأول الذي يحكم بأمر الله ووحيه، ومن بعده كان الخلفاء الراشدون وباقي الخلفاء المسلمين، يعتبر عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضى الله عنه عهد التطور الإداري والمالي في الدولة الإسلامية، فقد شهدت الإدارة نقلة حضارية نوعية في عهده، فعمر رضى الله عنه أول من عرف مبدأ الفصل بين السلطات، وذلك قبل أن تنادي به المدارس الإدارية والمالية الحديثة، ويبين اهتمامه بهذا الجانب في الخطبة التي وجهها للمسلمين حيث قال: "من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله قد جعلني خازناً وقاسماً". ومن النواحي الاقتصادية والمحاسبية والإدارية كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المحتسب الذي يطوف الأسواق ليطلع على أحوالها، وكذلك كان الخلفاء الراشدون وباقي الخلفاء المسلمين من بعده فإذا ما شغلوا عنها بإدارة شؤون الأمة وتجهيز الجيوش أسندوها إلى من يثقون به من المسلمين، إضافة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين والأمراء المسلمين من بعدهم كل يقوم بنفسه باستيفاء الحساب على العمال المحصلين فيما بينهم على المستخرج من الإيرادات ونفقات جباتها، ويوضع في بيت المال صافي القيمة المحصلة لتوزيعها على المستحقين. ويلاحظ من خلال ما تقدم أن الجهاز المستقل الوارد في المفهوم الحديث الذي أوردناه للرقابة المالية والادارية كان موجودا أصلا من خلال المحتسب الذي كانت وظيفته تتمثل بـ"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا العمل يقوم به من نصبه الإمام لذلك، عملا بقوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) حيث إن المعروف تعبير يشمل ما أمر الله به من اتجاهات سلوكية، وقد أعتبر البعض لفظ (أمه) الواردة في الآية السابقة ينطبق على أجهزة الدولة، فهي المناط بها الدعوة إلى الخير، لذلك نستطيع القول إن الدولة الاسلامية سبقت الأنظمة الحديثة في الدول العظمى اليوم، فقد أرست معاني الرقابة المالية والفصل بين السلطات والشفافية والعدل والإنصاف قبل أكثر من ألف واربعمائة عام. كسرة أخيرة هناك الكثير من الانظمة التي تضعها الدول لمراقبة اجهزتها الحكومية وقد يفشل البعض منها لوجود خلل اداري او فني، ولكن هناك جهاز رقابي لا يعرف الفشل الا وهو الضمير الانساني ومحاسبة النفس بالنفس، ولو كل واحد منا اخلص في عمله وادى واجبه بضمير لن تحتاج الدولة الى دفع تكاليف طائلة في انشاء أجهزة الرقابة، ولنعي دايما ان الله ورسوله يرون أعمالنا فيجب ان نحسنها خوفاً من عقاب الله وطمعاً في نيل الحسنات والثواب من عنده تعالى. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة التوبة الآية 105. [email protected]