10 نوفمبر 2025
تسجيلفي مقاربة طريفة مع التاريخ العربي يخبرنا التاريخ بحكم دامت رئاسته ليوم واحد للخليفة العباسي "البغدادي العراقي"، عبد الله ابن المعتز بالله عام 861م، حيث تولى الخلافة ليوم وليلة ولم يلبث أن وقع تحت سيوف غلمان المقتدر بالله الذي خطف الحكم منه، واليوم في ظل الحاكمية المعولمة والقوات الأمريكية المجوقلّة وقرارات الأمم المتحدة السريعة والحكم الصادر سلفا من قبل دول العالم ضد التنظيمات الإسلامية والجهادية منها نجد أن تنظيم داعش وقد تحول إلى "دولة" في ليلة وضحاها على أراضي المثلث السني وسط وغرب العراق، ليعلن التنظيم إلغاء مسماه القديم "دولة العراق والشام"، ويعلن قيام دولة الخلافة وينصّب أبو بكر البغدادي السامرائي خليفة للمسلمين، فأي مصيبة حلت بالعرب والمسلمين. داعش باتت مشروع دولة "خلاف واختلاف" وعليها خلاف كبير وحدودها ووجودها هو شاشات الأخبار وصفحات الصحف في الأصل، وهي وبفعل سذاجة أو خبث المحيط العربي الرسمي والإعلامي تحولت إلى قوة عظمى تخلّص نظام المالكي وجيش مليشياته من أزماته الداخلية بعد أن اتخذها المالكي ذريعة للتشبث بمنصبه واستدعاء القوات الإيرانية علنا، وكأن تعداد قوة داعش هو أضعاف الشعب العراقي، فيما لا يرى أحد هذا الفيل الكبير وسط الطريق، لا أحد منا يريد رؤية أبناء محافظات السنة الذين انتفضوا وكان مقاتلو داعش في المرصاد، فهم لم يحاربوا النظام السوري، لأن غايتهم تجميع قواتهم ما بين محافظات البادية السورية والعراقية، وهذا ما حصل.لا يمكن تخيل هذا التخطيط والتكتيك الذي يلعبه أشخاص انخرطوا في التنظيمات المسلحة الجهادية خلال عشر سنوات، فمنذ مصرع أبو مصعب الزرقاوي إثر غارة شنتها الطائرات الأمريكية في الأنبار وهذا التنظيم يزداد قوة وتحشيدا، وحينما أعلن قادته انسلاخهم عن القاعدة التي انضم لها التنظيم في بدايات نشأته، كانت الفرصة مواتية لإعلان دولة الخلافة، ولم لا ما دام النظام العربي العريق والقوي والمبني على قوة الجيوش والنفط والرجال وأمريكا يرتعد من مجرد تنظيم نشأ في ظل احتلال العراق، وهذا النشوء قد يؤسس لأن تعلن تنظيمات أخرى في غير مكان في الشرق العربي إعلان قيام دولة خلافة أخرى، ثم أخرى، ثم نعود لتتقاتل دويلات الخلافة، فلينضم من يشاء إلى دولة الخلاف العربي. شهادة التاريخ تثبت اليوم أن غالبية العرب هم من تآمر على العراق أمس واليوم، وهم السبب غير المباشر في تقطيع أوصاله التي سنراها عما قريب حينما يكون تقسم العراق على شكل دويلات وأقاليم هو الحل الذي ستقبل به إيران ونظامها في بغداد والجنوب، وإسرائيل وأحلافها في الشمال الكردي، لقد أعلن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي قبل يومين دعمه لانفصال الأكراد عن العراق، وطالب في كلمة له منح الأكراد حقهم في الاستقلال عن العراق، وكذلك دعم الأردن ليبقى قويا في مواجهة أخطار التنظيمات الإسلامية الجهادية القادمة من العراق. إن إعلان تنظيم "داعش" المحدود بأنه يقيم دولة الخلافة الإسلامية ويحدد مرجعياته وهيكليته السياسية والعسكرية، لا شك بأنه سيضر بثورة أبناء محافظات السنة ضد الظلم والإقصاء والطائفية والقتل والإذلال الذي يمارسه المالكي وأعوانه ضد العراقيين السنة وبعض أطياف الشيعة العرب الذين يناهضون سطوته الفاسدة، فما كانت داعش إلا رأس حربة استخدمتها العشائر والتنظيمات العراقية في المدن والمناطق التي لا يوجد فيها أي أثر للتنمية، بل ثلاث فرق من العصابات والمليشيات التي حولها المالكي إلى جيش لا عقيدة وطنية له، بل مصلحية تسيطر على مداخل مدن السنة، ولذلك هرب جيش المليشيا الطائفية أمام مجموعات داعش التي تتمتع بعقيدة تبحث عن أرض ووطن، فهي تعرف كيف ترهب وترعب خصومها. إذا فلننتظر ما الذي سيفعله العالم الغربي بعد إعلان دولة الخلافة الإسلامية الفاصلة أرض العراق عن الشام، وهم خلال سنوات قليلة وصلوا إلى المرحلة التي حلم بها منظروهم وقادتهم بعد غزو العراق من قبل جيوش الغرب، فدولة الخلافة لها شروط وعهود وأسس قد لا تتوافر في هذا الزمن الذي تسيطر عليه القوى العظمى ومن يحارب الإسلام من أهله، ولكن في حضرة مقاتلي داعش باتت الفرصة سهلة جدا لإعلان دولة الخلافة وسط زمن الخلاف، لأن المالكي لا يحكم سوى في المنطقة الخضراء وهذا الأمر لا يعترف به الأمريكان ولا العرب الذين تركوا العراق وأهله في قبضة إيران والتطرف الذي سيجتاح الشرق العربي عما قريب، لأن بعض زعماء العرب يفكرون بنفس عقلية قيادات داعش.