15 نوفمبر 2025
تسجيلبعيدا عن التحليل السياسي المعتاد، ينبغي لنا البدء بمناقشة جوانب مهمة كشف الحصار عنها، كالفشل الذريع لوزارات الخارجية وأجهزة المخابرات في دول الحصار. فمن المعروف أن قادة الدول يتخذون قراراتهم بناء على معلومات ودراسات واستقراءات للاحتمالات المستقبلية تقدمها الوزارة والجهاز لهم، بحيث تخدم قراراتهم المصالح العليا لدولهم، ولتكون لديهم خيارات بديلة في حال تبين فشل سياساتهم بعد اتخاذهم لتلك القرارات، وهو ما لاحظنا عكسه تماما في سياسات تلك الدول منذ بداية الحصار حتى اليوم. ولنقرأ، في نقاط، جوانب فشلهم دبلوماسيا ومخابراتيا. أولا) الفشل الدبلوماسي: ويمكن قراءته من جانبين، كالتالي: 1- الانفعالية: من أسس العمل الدبلوماسي أن لا يكون خاضعا للانفعالات والمشاعر، إلا أننا لاحظنا خلال الاثني عشر شهرا الماضية، أن وزيري خارجية الإمارات والسعودية كانا انفعاليين، يتعاملان مع الحصار وكأنه انتقام شخصي لقيادتي البلدين من قيادتنا وشعبنا. وشهدنا، للمرة الأولى، تراجع دور وزارتي خارجيتهما في صياغة القرار السياسي والتعبير عنه، ليتولى المهمة أشخاص بلا ثقافة سياسية، ولا خبرات في العمل الدبلوماسي، كسعود القحطان، وتركي آل الشيخ، وحمد المزروعي، وضاحي خلفان، الذين أصبحت الوزارة مجرد رديف لهم فيما يعلنونه في تغريداتهم الهابطة. وبالطبع، فإن هذا الأمر يدل على فشل عظيم في إدارة البلدين للأزمة، مما جعلهما يعانيان لاحقا من رفض الجميع لادعاءاتهما بشأن بلادنا. وزاد من حدة الفشل أن بلادنا، بقيادة سمو الأمير المفدى، ظلت تتعامل مع الأزمة من خلال مؤسساتها، و في مقدمتها وزارة الخارجية، فكسبت احترام ودعم الشعوب والدول. 2- القراءة الخاطئة للواقع: فقد عجزت وزارة الخارجية في البلدين عن صياغة رؤية سليمة لواقع بلادنا كدولة تمتلك إمكانات ذاتية، ولها علاقات دولية قوية، وترتبط بمعاهدات دفاع مشترك مع عدة دول ذات وزن سياسي واقتصادي وعسكري عال، مما يجعلنا قادرين على مواجهة أي تهديد بعدوان خارجي، ويجعل من الحصار عنصر ضغط شديد على المحاصـرين أنفسهم. ثانيا) الفشل المخابراتي: وهو فشل متعدد الجوانب ذو خطورة عظيمة على الإمارات والسعودية: 1- فشل على المستوى العربي: فجهازي المخابرات فيهما لم يستطيعا قراءة الشعور الشعبي العربي المحب لبلادنا، أميرا وشعبا، بسبب مواقفها المبدئية من قضايا أمتنا، ودعمها لأهلنا في غزة وسوريا واليمن وسواهما، وتقابله مشاعر عداء لسياسات البلدين المعادية للربيع العربي، والساعية لإنهاء القضية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني. لذلك، فشل قرار الحصار عربيا، وازدادت مكانة بلادنا بعدما تبين أنه كان جزءا من إسكات كل صوت شريف في وطننا العربي. 2- فشل على المستوى الخليجي: حيث لم يقرأ المسؤولون في الجهازين واقع شعوبنا الخليجية الذي يخبرنا بأن وعيها وثقافتها وإنسانيتها لن تسمح بنجاح مشروع يستهدف شعبا شقيقا لها بادعاءات وأكاذيب لا تصلح لإقناع طفل صغير. وهنا، كانت المعضلة التي أدت إلى منع شعوب دول الحصار حتى من حرية التعاطف مع بلادنا، مما أفقد الحصار أهم ركيزة معنوية أي: المساندة الشعبية الخليجية له. 3- فشل في التأثير على الداخل القطري: فقد غاب عن الجهازين إبلاغ قادة البلدين بالعلاقة الوطيدة بين سمو الأمير المفدى وشعبه؟. وكيف لم يتقدموا لهم بدراسات حول أن الإساءة لسموه وللشخصيات الاعتبارية في بلادنا ستزيد من صلابة الجبهة الداخلية؟. وكيف لم يستطيعوا تزويدهم بمعلومات عن المستوى المعيشي العالي للمواطن القطري، والاحترام والتقدير له في وطنه، وفخره بمكانة بلاده في العالم، وسواها من أمور تجعل من المستحيل عليه أن يقبل بحالة بديلة يفقد فيها كل إنجازاته وحقوقه كما هو الحال في دول الحصار؟. إن هذا الفشل يقودنا إلى أن قرار الحصار كان انفعاليا، أرعن، بلا مقومات تجعل من الممكن له تحقيق شيء على أرض الواقع.