07 نوفمبر 2025

تسجيل

المصالحة.. ثلاث حقائق للانتقال من النيات إلى الفنيات

01 مايو 2014

كثيرون يتحدثون عن المصالحة الفلسطينية بطريقة فيها قدر من التشكك بجدواها أو التشكيك في النيات حولها، أما الذين يحسبون على أحد الطرفين فكثيرون منهم لا يزالون يستبطنون الخصومة السياسية أكثر من الرغبة في المصالحة الحقيقية.. وهذا متفهم حتى الآن، لأن المصالحة لا تزال تدرج في مرحلة التمنيات والشعارات والاتفاقات الإجمالية، ومتفهم أيضا بالنظر لما استقر وتراكم في الأذهان من أسباب ووقائع الانقسام ومن الفشل في معالجته.فإن تكلمنا عن ضرورة إنجاح مساعي المصالحة، وعدم تسجيل فشل إضافي لها، وإذا استحضرنا أنها تتخطى النيات الطيبة والرغبة الصادقة إلى أن تكون رؤية إستراتيجية، ومشروعا وإصلاحا وطنيا، وأنها تقوم على فن ومهارة إدارة الحوار، والقدرة على التجاوز والتجاهل، والتبصر بالأولويات، واستشعار المسؤولية الوطنية والتاريخية وقبل ذلك وفوقه المسؤولية الدينية أمام الله تعالى، وأن للنجاح فيها مقدمات وأسبابا واشتراطات لا بد من توفرها.. فأرى أن على الأطراف المعنية بها أن تعترف بأربع حقائق، وبما تعنيه وما يترتب عليها من منطلقات عمل وخارطة طريق. الحقيقة الأولى: أن الاحتشار السياسي والثوري البائس لم يعد ينجو منه أحد من المجموع الفلسطيني، وأن ما يعزز ذلك من دوران حول الذات الشخصية والحزبية بالكيد والتخابث قد صار جريمة وخيانة كونه يحقق جزءا أساسيا من إستراتيجية العدو في رفس كل القضية والمتقاضين بها.. وعليه فالمصالحة قد صارت ضرورة وجود، وصارت واجبا وطنيا ومقتضى ثوريا ممكنا، بل واجب بعد أن لم تعد تزاحمها أو تصرف عنها أوهام أو إغراءات أو بدائل أو مناورات.. لا بد ولا بديل عن أن تنجح المصالحة هذه المرة، وأن يكون الهدف هو ذات المصالحة وإيقاف التدهور وليس الاستثمار في الجزئيات والتكتيك والتحريك والعوائد الخاصة. الحقيقة الثانية: أن كلا طرفي الانقسام ليس لديهما كثير خبرة في التعاون التناددي والمشاركة السياسية، فتاريخ العلاقة بينهما كانت ولا تزال محكومة بالخلاف التناقضي ومصبوغة بالانفصال التربصي، ومعنونة بنظرة الاستصغار والتخطيء وسوء الظن؛ ما يعني أن على كل طرف أن يبحث عن المساحة المحترمة المعتّمة عليه لدى الآخر، وأن يتوقع أخطاءه فيجتهد في الإحسان والإعذار، ويمنع الأصوات الناشزة وأي إجراءات تصدر من جهته فتسمم الأجواء وتخرب الثقة.. يجب أن يستقر في وجدان كل طرف أن له مصلحته في المصالحة، وأنه إذ يصالح فإنما يصنع معروفا لنفسه قبل غيره، وأن على المتصالحين أن يجتهدوا لوضع إستراتيجية القاسم المشترك الأصغر التي تتسع لمشروعي المقاومة والتسوية، والتي تلاحظ الفرق بين غزة والضفة من حيث صورة المواجهة والقوة والإمكانات. والحقيقة الثالثة: أن سنوات الانقسام السبع وانفصال الحركتين والكيانين، قد أنتجت وأنضجت لكل منهما معادلات وعلاقات وأحمالا وخبرات يراها لنفسه إنجازات ووقائع على الأرض ومواقع قوة، فهو لن يقبل التخلي عنها؛ بما يعني أن يسعيا للتصالح على الحد الأدنى من البرنامج السياسي، وأن يتفهم كل طرف ظروف واعتبارات الطرف الآخر مع ضرورة التفريق بين الحقيقي من ذلك والمصطنع المتوهم أو المدعى، وبين المصالح العامة والمصالح الخاصة. والحقيقة الرابعة: أن العدو وأمريكا وطائفة من أتباعهما خارجا وداخلا لا يحبذون التعامل مع الشعب الفلسطيني موحدا، فليس من اختراع العجلة توقع أنهم سوف يسعون – كما تعودنا منهم - لإفساد هذه المصالحة واغتيالها في مهدها بترغيب بجزرة أو بتخويف بعصا أو بدس فتنة ووقيعة.. ما يعني أن على الطرفين أن يجعلا اتفاقات المصالحة التي وقعا عليها أو سيوقعان عليها التزاما أخلاقيا ووطنيا وأن يجعلاه الأعلى على أي اتفاقات سابقة أو لاحقة تتناقض معه أو تنسخه، وضرورة تشكيل لجنة عليا ذات اختصاص وتفويض، تتمتع بالحيادية والاستقلال والفوقية الدستورية والنزاهة والشفافية لترعى المصالحة وتقدم تقييماتها لأداء المتصالحين بشكل دوري تتحصل منه تراكمية تقييم ومعالجات موضوعية. آخر القول: على المتصالحين الفلسطينيين – فتح وحماس - وعلى وسطائهما أن يتحلوا بالموضوعية والمهنية، والمسؤولية، وأن يحسنوا المرور من النيات إلى الفنيات، ومن الأمنيات إلى التقنيات، بعيدا عن الدفائن والكمائن السياسية، لأن الفشل هذه المرة قد يؤدي بكل الوحدة الوطنية وشعاراتها إلى ما لا يعلم إلا الله تعالى مداه وعقابيله.