13 نوفمبر 2025

تسجيل

الانتماء الوطني والإعلام

01 مايو 2011

الوطن العاطفة، والوطن الواقع وجهان لعملة واحدة لا يمكن لأحدهما أن يحقق كينونته ويمارس وجوده دون الآخر، فالتغني بأمجاد الوطن، والحرص على الانتماء إليه وهو الذي قال الشاعر عنه: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه بالخلد نفسي هذا الوطن الذي تجله القلوب، وترتعش لذكره الأفئدة، ويثير الأشجان حين الابتعاد عنه، ويطغى الشوق حتى العودة إليه، هو هنا ليس الأرض، ولكن ما يعيش على هذه الأرض من أقارب وأصدقاء ومعارف وذكريات، وليس هو مجرد بطاقة تحمل المعلومات الشخصية، ولكنه انتماء يجسد كل تلك المعطيات ويترجمها إلى واقع يتنفسه الإنسان في حله وترحاله، وفي نومه ويقظته، وفي علاقته بمن حوله وما حوله، لكن هذا الوطن "العاطفة"، تكتمل صورته بالوطن "الواقع"، الذي يقدم للإنسان أمنه وأمانه، ويوفر احتياجاته ويحمي كرامته وحريته، ووطن لا يقدم لمواطنيه احتياجاتهم ويستجيب لحقوقهم في الحرية والعيش الكريم، ويصون كرامتهم في الداخل والخارج، هو وطن تنمحي صورته العاطفية، ويصبح عبئا على الإنسان الذي يريد التخلص منه باللجوء إلى غيره، فهو وطن لا قيمة له من منظار الواقع، وإن ظل اسما ولكن على غير مسمى، وهنا لا بد من طرح حقيقة لا تغيب عن الأذهان، وهي أن المواطنة ليست حقوقا فقط، ولكنها حقوق وواجبات، وعلى المواطن الالتزام بواجبات المواطنة، والتقيد بما تفرضه الدولة من تشريعات وقواعد وقيود لحماية المجتمع من عبث العابثين وفساد الفاسدين، وفي الوقت نفسه الإسهام في نهضة الوطن والذود عنه عندما يتعرض لأي خطر من الداخل أو الخارج، ليصبح المواطن اداة بناء وليس معول هدم.. وعندما يتم الوفاء بالحقوق، والقيام بالواجبات.. تكتمل صورة الوطن في حلتها الجميلة، ويصبح الوطن العاطفة هو الوطن الواقع، كيانا متكانلا، حيث لا فرق بين وجه وآخر لهذه العملة الواحدة. وهنا يأتي دور الإعلام وغيره من مؤسسات المجتمع في ترسيخ قيم المواطنة، والعبور من خلال هذه القيم للوصول بالوطن إلى مرافئ الأمان، من خلال ربط المواطن بما يدور حوله من أحداث وما قد ينجم عنها من أخطار تهدد أمن الوطن والمواطن، وتأكيد أهمية مشاركته في الحراك التنموي الوطني، والحفاظ على المنجز الحضاري للوطن، وحماية مكتسباته من الأيدي العابثة التي تحركها جهات مشبوهة، تسعى لنسف جسور الثقة التي تربط بين المواطنين، لا فرق بين مسئول كبير، ومواطن عادي، وهي مسئولية يتحملها الجميع دون استثناء أو تخاذل، ويمتد دور الإعلام إلى تنمية الوعي بحقوق المواطنة وواجباتها، والمشاركة في التنمية من خلال الإسهام في تصحيح مسارها، وإعادة قطار التنمية إلى قضبانه إذا ما انحرف نتيجة العبث أو الاهمال أو فساد الذمم، وإذا كان الإعلام الحر يجسد الإصلاح ويدعمه، فإنه في الوقت نفسه يؤكد الإصرار على تحقيق أسباب الرفاهية للمواطن والازدهار للوطن، وبقدر نجاح الإعلام في كسب ثقة المواطن.. يمكن أن يتحقق الإصلاح الناتج عن الطرح الإعلامي الموضوعي والجاد، الذي لا ينافق المسئول على حساب مصلحة الوطن والمواطن، ولا يتملق المواطن على حساب أمن الوطن واستقراره، بل يسعى لتحقيق رسالته الإعلامية واضعا أمام ناظريه المصلحة العليا للوطن، من خلال التوازن في الطرح، والحياد في النقل وعدم المبالغة في تناول القضايا السلبية أو الإيجابية، وبهذا التوازن الإعلامي وغيره من العوامل الأخرى.. يمكن أن تترسخ قيم المواطنة في عقول وقلوب المواطنين والمسئولين معا.