14 نوفمبر 2025
تسجيلكنت أحد المدعوين في حفل الاستقبال الذي أقامه سفير إحدى الدول الإسلامية في مصر والقريب من جماعة الإخوان، يوم الأحد 25 مارس الماضي، والذي شهد حرب البيانات بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة (الإخوان). وقد لاحظت رد فعل السفير على هذا التصعيد بين الجانبين، خاصة بعد أن أعلن الحزب عن اعتزامه الدفع بمرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة وكان مطروحا بقوة اسم خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل السفير يقول: "إن هذا خطر.. فهو يعني سقوط عمرو موسى". وكانت تعبيرات وجهة تمثل هذا القلق العميق الذي يشي بأن هناك خطاً أحمر تم تجاوزه بهذا الطرح الجديد لجماعة الإخوان وذراعها السياسية. كنت أعرف منذ فترة ليست بالقصيرة بأن عمرو موسى هو مرشح المجلس العسكري في الانتخابات الرئاسية الذي يريد به الاحتفاظ بالسلطة، كما أنه هو مرشح الغرب أيضا الذي توافق عليه الولايات المتحدة وبالطبع إسرائيل. لكن ما لم أكن أعلمه أن هذا الأمر أصبح خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه، إذ ستكون العواقب وخيمة. وقد رأينا مؤشرات تلك العواقب في بيان المجلس العسكري الذي وجه فيه تهديدات مباشرة للإخوان بأن التاريخ قد يعيد نفسه وتقوم المؤسسة العسكرية بالانقلاب على الثورة كما حدث في عام 1954. كما ظهرت أيضا في المعلومات التي بدأت في التدفق حول السيناريو الذي وضعه المجلس لإنجاح عمرو موسى بكل الطرق بما فيها تزوير الانتخابات. ذلك أن المجلس كان قد بنى سيناريو لاستمرار سيطرته على المؤسسة الرئاسية من خلال الدفع بعمرو موسى الذي كان متأكدا من نجاحه من دون تزوير اعتمادا على عدم وجود مرشح للإخوان، فضلا عن تفتت أصوات التيار الإسلامي بين المرشحين الإسلاميين: حاز صلاح أبو إسماعيل وعبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا. هذا في الوقت الذي ستكون فيه أصوات التيار الآخر غير مقسمة بعد انسحاب العديد ممن أعلنوا الترشح لزيادة حجم الأصوات التي سيحصل عليها عمرو موسى، مع العمل فيه على زيادة شعبيته خاصة بين الفئات الشعبية غير المسيسة. وضع المجلس العسكري هذا السيناريو منذ اللحظة الأولى لتوليه السلطة عقب تنحي الرئيس المخلوع، لكن التطورات التالية للانتخابات البرلمانية التي شهدت تنفيذ مخطط يشارك فيه المجلس بالتنسيق مع قوى التيار العلماني وقوى خارجية، لإفشال تجربة حكم الإسلاميين في مصر، من خلال حكومة الجنزوري التي راحت تضع العراقيل أمام عمل البرلمان لإظهاره بمظهر الضعيف غير القادر على فعل شيء من أجل التخفيف عن كاهل المواطنين، فضلا عن العمل على الالتفاف على أهداف الثورة خاصة في مجالي الأمن والاقتصاد.. هذه التطورات دفعت جماعة الإخوان إلى العمل على إسقاط الحكومة والإعلان عن الاستعداد لتشكيل حكومة بقيادتها وبمشاركة بقية الأحزاب الممثلة في البرلمان. لكن المجلس العسكري لم يوافق على ذلك، حتى لا يعطي الإخوان الفرصة للانقضاض على وسيلته الأساسية في تنفيذ مخطط إفشال حكم الإسلاميين، ما دفع الجماعة إلى تغيير موقفها بشأن عدم الدفع بمرشح لها في الانتخابات الرئاسية، فزاد تمسك العسكري بحكومة الجنزوري أكثر حتى يستطيع استخدامها في تنفيذ سيناريو تزوير الانتخابات لصالح عمرو موسى، لأنه يعلم جيدا أن مرشح الإخوان أو من ستؤيده الجماعة من المرشحين الآخرين، ستكون فرصته هي الأكبر في الحصول على المنصب الرئاسي. وحينما قامت الجماعة بفضح المخطط عبر بيانها الذي اتهمت فيه البعض بالسعي لتزوير الانتخابات، جاء بيان المجلس سابق الذكر. لكن الجماعة وعبر حزبها أصرت على إقالة الحكومة، حيث أكد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة حسين إبراهيم في مؤتمر صحفي أن كل الخيارات مفتوحة لإسقاط الحكومة، مطالبا المجلس العسكري بالإنصات لصوت البرلمان الممثل للإرادة الشعبية. وبدأ البرلمان بالفعل في إجراءات سحب الثقة من الحكومة من خلال مناقشة إعلان رفض بيان الحكومة. وتأتي هذه التطورات في ظل صراع آخر بين المجلس والجماعة على اللجنة التأسيسية للدستور التي سيطرت عليها بالتنسيق مع حزب النور السلفي، من أجل العمل على وضع نظام سياسي يؤدي في النهاية إلى التخلص من حكم العسكر وهو ما دفع المجلس إلى الإيعاز للقوى العلمانية بالانسحاب من اللجنة حتى تفقد شرعيتها. لكن إصرار الجماعة على المضي قدما في عمل اللجنة دفع المجلس للتراجع بعد اجتماع رئيسه المشير طنطاوي مع الأحزاب والاتفاق على اعتماد وثيقتي الأزهر والتحالف الديمقراطي (التي وضعتها الجماعة قبل الانتخابات التشريعية) كأساس للدستور الجديد.