11 نوفمبر 2025
تسجيلإن تهويد القدس وهدم الأقصى وبناء الهيكل استراتيجية بدأت تدخل المرحلة النهائية فبعد كل الممارسات الاحتلالية والتهويدية وتغيير الكثير من معالم المدينة ها هم أعضاء الكنيست -– البرلمان الصهيوني يدخلون بشكل علني وعلى غير ما كان من قبل إلى باحات المسجد الأقصى ليؤدوا طقوسهم التوراتية والتلمودية ثم يدخل بعدهم طلاب المدارس والجامعات ثم هاهم اليوم المستوطنون يدخلون.. قبل فترة زعم اليهود وجود آثار لهم خلافا لكل البحوث العلمية والحفرية التي بدأت منذ الـ67.. وها هم أيضا يستولون على بيوت المقدسيين ويهدمون أحياء كاملة في القدس ويمنعون البناء ويقيمون بدلها أحياء يهودية.. أما عن إهانة رفات وعظام الشهداء الصحابة والمقابر التاريخية وعن الضرائب الباهظة على الناس وعن تردي خدمات الصحة والتعليم والأمن والبنية التحتية وأما عن سحب هويات المقدسيين.. إلى آخر هذه السلسلة غير المتناهية من الاعتداءات اليومية بل اللحظية فحدث ولا حرج.. ونتساءل: ماذا ينتظر شعوبنا وعلماؤنا وأنظمتنا؟ وهل يجوز أن يبقى البعض واهما لاهثا وراء التسوية؟ وإذا استثنينا ما تقوم به قطر في المجامع الدولية ونصرة الشعب الفلسطيني في الحدود الممكنة فأين دولنا العربية وأين أنظمتنا؟ ولم هذا السكوت المريب والتجاهل العجيب للقضية على كل الصعد الرسمية والنخبوية والمؤسسية والثقافية والأهلية؟ أين الذين طالما دافعوا عن علاقاتهم مع العدو بأنهم يخبئونها ليوم كريهة وسداد ثغر، وأنهم إنما يقيمونها وينمونها ليستثمروها عند اللزوم لصالح الشعب الفلسطيني؟ ولماذا لا نراهم يحركون ساكنا لنصرة الأقصى ولا نسمعهم يهددون أو يلمحون مجرد تلميح لإغلاق تلك السفارات التي – للأسف - صارت الجزء الأهم من واقعهم وواقعيتهم السياسية والثقافية ويدافعون عنها وينظرون لها ليل نهار؟ أين إمكانات دولنا الدبلوماسية والتواصلية والمالية بل والعسكرية؟ أين لجنة القدس في الجامعة العربية؟ ولماذا نومها حتى الشخير فيما القدس تضيع كل يوم ومع كل صباح وعشي ونعيق بوم؟ ثم نتساءل أين الثوار الفلسطينيون؟ وأين شعار " يا جبل ما يهزك " وشعار " اللي مش عاجبه يشرب بحر غزة " وشعار : " عالقدس رايحين شهداء بالملايين؟ أين المنظمة والسلطة التي تستطيع أن تدعو لاجتماع طارئ في الجامعة العربية، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي؟ أين سفاراتها وأين ملحقياتها الثقافية ووزارة خارجيتها؟ وأين أصدقاء العالم الحر فيها؟ وأين علاقاتهم وتأثيرهم على أصدقائهم في مؤتمر هيرتزيليا؟ أين تلفزيون فلسطين.. انظروا إليه إن كان يهتم مجرد اهتمام؟ ثم نتساءل أيضا : أين المنظمات الفلسطينية المقاومة.. وماذا ينتظرون؟ هل ينتظرون أن يسمح لهم بردع المستوطنين عن السكنى في القدس والضفة؟ أين الذين صنعوا المجد بأنفسهم وأحرجوا الجميع عام الألفين وما بعده، ولم يستأذنوا أحدا وكانوا دائما الفارق بين القوة والضعف وبين الإحساس بالمسؤولية والتهتك وراء أبواب الاحتلال وتبويس اللحى؟ صحيح أن ظروف المقاومة في الضفة صعبة ولكن الأمر أيسر من العجز وأقل من قرار مركزي، وأعلى من الهمود والركود وأخطر من الملاحقات الأمنية وحتى من تهيئة أجواء المصالحة؟ إنه المسجد القدس.. إنه يضيع.. وإنها القدس وإنها تهود.. وإنها فلسطين.. وإنها تشكو إلى الله تخلي القريب وظلم البعيد.. وإنها الخطوات الأخيرة قبل الفاجعة الماحقة الساحقة التي صارت وراء الباب وتحت الشبّاك.. وللذين لا يزالون يتملكهم الخوف من العدو وقوته وغدره وتلبيساته.. أقول : إنه - العدو - لم يعد يملك الكثير مما كان يمتلكه من أوراق اللعبة ولقد أثبتت حرب لبنان أنه لا يملك منها إلا ما نملّكه نحن إياه بضعفنا وخورنا وفشلنا.. ألم ينسحب من لبنان في جنح الليل خاسئا ذليلا وقد ترك عملاءه عالة يتكففون الناس ويولولون في الوديان والشعاب؟ ألم يفشل في احتلال قرية صغيرة مثل مارون الراس في جنوب لبنان؟ ألم يفشل في مواجهة حماس والمقاومة التي فعلت به الأفاعيل في غزة؟ ألم ينسحب " الجيش الذي كان لا يقهر " يجرجر أذيال الخيبة والعار من غزة التي كان يقول زعماؤه عنها كقيمة استراتيجية بالنسبة لمشروعهم الصهيوني : إنها لا تقل عن تل أبيب؟ فهل يجوز بعد ذلك أن نخادع أنفسنا بالاستمرار في الإحساس بالهزيمة والركون لعقابيلها وتلبكاتها؟ الحقيقة أننا لو أردنا أو بالأحرى لو رغبنا أن ننصر الأقصى وفلسطين – فإن باستطاعتنا الكثير الكثير إعلاميا وسياسيا وديبلوماسيا وقانونيا ودولا وشعوبا ونخبا ومؤسسات رسمية وأهلية وأغنياء وعلماء وكُتَّاب.. ومن ليس يعرف ما عليه من الواجب أن يفعله ؛ فهل يعرف كيف يأكل ويشرب ويتناسل ثم يموت كما تموت الميكروبات والديدان والصراصير والدجاج والبغال؟ وهل سأل أحد نفسه ما قيمة الحياة بعد أن يبول المستوطنون ويقضون حاجاتهم في باحات المسجد الأقصى.. أليست بولتهم قد حطت على رؤسنا وكرامتنا ومشاعرنا قبل أن تحط على زوايا وسجاد المسجد الأقصى؟ وهل أمة ترضى بذلك حتى لو كانت تعبد الأوثان؟ لقد بات واضحا أن مشكلتنا ليست في أننا ضعفاء لا نستطيع، ولا في أن قضيتنا ليست لها الوجاهة الكافية حقوقيا وثقافيا ودينيا وقوميا ووطنيا، ولا في أننا ليس لنا نصير في العالم الحر.. ولكنها في أننا - فقط - لا توجود لدى بعضنا إرادة ولا قناعة حقيقية تجاه القدس وتجاه الحق في إرجاعها وتجاه هويتنا وكرامتنا.. لقد بات واضحا أن بعضنا ولاؤهم خارج الولاء ومواقفهم خارج الانتماء.. لقد بات واضحا أن بعضا من قومنا ليست تعنيهم القضية من قريب ولا من بعيد.. اللهم إلا ما كان لتزيين ذواتهم وإطالة عمر رفاهيتهم.. لقد بات واضحا أن بعضنا منحرف عن الجادة وأقصد الغارقين في البرامج والمشاريع اللاوطنية والمتعاجزين غير المبالين والمنصرفين لتوافه الأحوال وسوافه الأقوال والأفعال، لقد بات واضحا أن بعضنا اضطرب سلم أولوياته فقدم مصالحه على مبادئه وقدم ذاته على دينه وعقيدته.. ولكن تبقى الشعوب هي موضع الرهان الأساس، وفي مقدمتها البرلمانيون والإعلاميون والمثقفون والمربون، ولا يمنع شيء أن تكون كل أيامنا ملتقيات ومؤتمرات وفعاليات مرة باسم القدس ومرة باسم فلسطين وأخرى باسم اللاجئين ورابعة باسم حماية التراث وخامسة باسم محاربة العنصرية وسادسة وسابعة وثامنة ومائة.. وعلى الشعوب أن تتحرك وأن تتحضر ذهنيا ونفسيا ليس للقتال فقط والذي هو غاية الغايات ولكن للدخول بمئات الآلاف وبالملايين عبر كل الحدود إلى فلسطين.. عندها فقط سيعلم يهود ومن وراءهم أن صفحتهم قلبت وأن جولتهم انتهت.. ولن يستطيعوا قتلهم ولا ردهم؟ إنها حراكات الشعوب التي بشرتنا بها مناوشات الحدود في ذكرى النكسة والنكبة الماضيتين وبشرتنا بها انتفاضات الربيع العربي، وسبق أن بشرنا بها اجتياح الغزيين لحدود سيناء يوم كسروا حصار الساقط الجبان حسني.. يومها سئل وزير خارجية العدو – باراك - : ماذا لو أن مئات الآلاف هؤلاء اجتاحوا الحدود من الجهة الأخرى باتجاهكم؟ وأجاب " ذلك يوم لا أحب أن أتخيله ".. وإلى الذين لم يروا فعل الشعوب بعد ولم تؤمن بها واقعيتهم بعد أقول : ما الذي جعل العدو يخضع لإضراب الأسير خضر عدنان عن الطعام ثم يقرر إطلاق سراحه؟ أهو الخوف من خضر عدنان المسكين المريض المهيض؟ أم هو شفقة حلت في قلب العدو عليه؟ لا إنه الخوف مما سيفجره استشهاد هذا البطل من انتفاضة بل من انتفاضات تأكل الأخضر واليابس ويتسع خرقها على الراتق إن قام راتق؟ آخر القول : إن المستوطنين قد أبلغوا السيل الزبا وهم الجبناء الحقراء.. ولسنا ننسى أن 270 ألفا من أكثرهم وحشية وتزمتا قد سجلوا في السفارات الأجنبية للهجرة وأن رحلات هجرتهم القادمة إلى فلسطين قد توقفت حين استحر القتل فيهم مطالع العقد الأخير.... وإن المطلوب كثير ولا يسد فيه أحد عن أحد.. هذا الكثير يجب أن يكون من نوع الحقائق على الأرض كما تفعل قطر إذ تنافح في المجامع العالمية، وإذ تطالب بلجنة تحقيق لتقصي حقائق العدوان على القدس، وإذ تدعم الفلسطينيين بالمال والخبرة، وبالعمل على إنزال مصالحتهم إلى أرض الواقع.. أما أولئك الذين رضوا باللاشيء وبأن يبقوا أذيالا تابعين يتدهنون بالمعاذير فلا أظن أنهم سيموتون - في أحسن الأحوال - إلا تافهين مهما صدروا من الشعارات الطنانة والخطب الرنانة ومهما ظنوا أنهم يخدعون أحدا..